طبيعة المجتمعات تختلف عن بعضها البعض في جوانب كثيرة، سياسية وثقافية ودينية ولغوية، لايوجد مجتمع يتطابق كليا مع مجتمع آخر، لابد وان تكون ثمة فوارق عديدة تفصل بينهما، وقد يختلف مجتمع عن مجتمع آخر داخل دولة واحدة ذات لغة وثقافة وقومية واحدة كالدولة الهولندية او الاسبانية مثلا، وهذه الاختلافات تشتد وتبرز اكثر في دول ذات اعراق وطوائف وثقافات متنوعة مثل العراق وسوريا ولبنان وتركيا وايران، وقد تكون سببا مباشرا في تفاقم الاوضاع السياسية والانسانية فيها وتأزيم المنطقة برمتها.. وكذلك يوجد فرق شاسع بين المجتمعات الخليجية والمجتمعات العربية الاخرى التي اعتمدت العنف والثورة والفكر الراديكالي في نهجها السياسي التغييري، حيث حل في الاولى الامن والامان والرخاء والهدوء النفسي بينما سادت في المجتمعات العربية الاخرى؛ الانقلابات العسكرية والقمع والفقر والمرض وعدم الاستقرار، ففي الوقت الذي كانت الدول الخليجية تتقدم وتتناغم مع التطور العالمي وتقيم حضارة وتحول صحراء جرداء الى واحة مخضرة، تنهمك الدول"الثورية"بالتنظيرات الفكرية والانقلابات العسكرية والسعي لابتكار احدث وسائل القمع..

من نعم الله ورحمته على المجتمعات الخليجية انه لم يسلط عليها زعيما ثوريا ولا منظرا عروبيا ولا خضعها لسطوة ورحمة الانقلابيين العسكريين، وظلت بمنأى عن التقلبات السياسية الطارئة والافكار العصبية والقومية البالية والمستمدة من عصور ما قبل الاسلام!

وهي مازالت تبدع وتبتكر انواع جديدة من نظم الحياة المعاصرة وتستفيد من خيراتها لصالح مواطنيها، بينما تعيش المجتمعات الثورية في وحل المنازعات الطائفية والقومية المتخلفة وتبدع في القتل والتهجير!..

الجيش في دول الخليج منضبط ومنظم تحكمه مؤسسات وطنية يلتزم بواجبات ومسؤوليات محددة ولايتخطاها، وهو على اهبة الاستعداد للدفاع عن الاخطار الخارجية التي تتعرض لها البلاد.

، بينما يتحول الجيش في الدول الثورية الى مطية لقمع مواطنيها وخنق حرياتهم وتنفيذ اوامر القائد الضرورة من دون مناقشة او تردد حتى ولو ادى الى تدمير البلاد، ومنذ حدوث اول انقلاب في العراق والوطن العربي على يد الفريق الركن(بكر صدقي) عام 1936 ضد حكومة(ياسين الهاشمي)، تحولت الانقلابات في تلك الدول الى عادة متبعة ولا تكاد تمر عليها فترة زمنية الا ويحدث فيها انقلاب عسكري دموي يحرق الاخضر واليابس!

ورغم ان انقلاب الزعيم (عبدالكريم قاسم) الدموي على الملكية عام 1958 جر على البلاد ويلات لم تنته لحد الان، فان الشعب استقبله بفرح غامر واحتفي به ومازال يذكره وزعيمه بالخير ويحتفل به كل عام! ولكن لم تمض على تلك الثورة التي سميت ب(ثورة الشعب)خمس سنوات حتى اندلعت ثورة عسكرية مضادة عام (1963)بقيادة(عبدالسلام عارف) وتم فيها تصفية الزعيم والقادة السابقين بصورة بشعة..وهكذا فعل الجنرال(احمد حسن البكر)في انقلابه عام 1968 بدعم من اصدقائه الضباط الذين تحولوا فيما بعد الى خصوم واعداء جرى تصفيتهم واحدا بعد الاخر، وبدوره قام(صدام حسين) بتنحية(البكر) (1979)وتولى الحكم واخضع البلاد لهيمنته المطلقة.. وهكذا استمرت سلسلة الانقلابات الدموية في العراق ولم تنته لحد اسقاط نظام (صدام) عن طريق غزو امريكي وتدشين مرحلة جديدة من الصراع الطائفي المتصاعد، وقد يستمر هذا الصراع ولا ينتهي الا بانتهاء العراق كدولة واحدة موحدة..

والامرنفسه ينطبق على الحزبين الكرديين الراديكاليين "الانقلابيين!" الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني اللذين يخوضان صراعا مريرا على السلطة في اقليم كردستان منذ عقود طويلة، وقد يؤدي هذا الصراع الدموي في النهاية الى ضياع الكيان الدستوري القائم والمكاسب القومية التي حققوها عبرنضال تاريخي طويل وانهار من الدماء قدمها خيرة ابناء الشعب الكردي!