منذ تولى "رجب طيب أردوغان" الحكم في تركيا في العام 2003م والمنطقة العربية تشتعل فيها الصراعات، وتتمدّد فيها المشاريع الانفصالية، فتدخلات تركيا في الشؤون الداخلية لكثير من الدول العربية تجاوزت كل الحدود.

وربما يعود هذا لطبيعة السلطان العثماني الذى يروج نفسه على أنه خليفة المسلمين وأنه يسعى لإحياء إرث الدولة العثمانية التي سقطت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في العام 1919م. لم يفوت "أردوغان" منذ وصوله الى السلطة في تركيا أية فرصة ليروج لنفسه في أوساط السذج من العرب أنه أمل البسطاء، وأن تحقيق الحلم العربي/ الإسلامي في التنمية والتطوير سيكون على يديه، ساعده في هذا تنظيم الإخوان المسلمين الممتد في كثير من البلدان العربية منذ انتفاضات الربيع العربي بداية العام 2011م.

يعمل "أردوغان" منذ سنوات على التمدد في دول عديدة بالمنطقة العربية لتحقيق أطماعه التوسعية، مستغلا التقارب الأيديولوجي مع جماعات الإسلام السياسي في تلك الدول. وبعد حوالي قرن من الزمان (1924م) من سقوط الدولة العثمانية، باح "أردوغان" بأطماعه التوسعية متحدثا عما سماه "ميراث الأجداد"، الممتد من آسيا الوسطى وأعماق أوروبا والعالم العربي من شرقه الى غربه. عقدة "أردوغان" أنه لم يستوعب بعد أن الدنيا تغيرت، وأن أوهام الخلافة قد زالت من جذورها، وتراجعت تماما كل أسبابها في ظل حقائق جديدة ومعطيات مستجدة، لن تسمح لتركيا أو لغيرها من دول المنطقة أن تكون معقلا لنشر التعصب الديني ودعم المتطرفين (أيا كان انتمائهم) بالقفز على حقائق العصر الحديث التي اتفقت عليها جميع شعوب العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م بأن "الدين لله والوطن للجميع".

يبدو "أردوغان" مسكونا بأوهام العظمة والنفوذ، متاجرا بالموقع الجيوسياسي لبلاده، ومحاولا من خلال ذلك استعادة ما يصفها بأمجاد السلطنة العثمانية. ومن منطلق هذه الأوهام والغرور رسم "أردوغان" خارطة جديدة لبلاده وضم إليها سوريا وليبيا على اعتبارهما أجزاء تاريخية من الدولة العثمانية. وفي هذا السياق نشرت صحيفة "العرب اللندنية" قبل فترة قصيرة تقريرا ذكرت فيه أن "أردوغان" بعث بإشارات سياسية خطيرة بشأن اعتبار ليبيا وسوريا كمناطق نفوذ أو جزء من تركيا الجديدة، وأن الأتراك خسروها بعد الحرب العالمية الأولى وقد حان الآن موعد استعادتها. وردا على تساؤلات المعارضة التركية حول أسباب تواجد تركيا في سوريا وليبيا، شدد "أردوغان" بقوله: إذا تهربنا من خوض النضال في سوريا وليبيا والبحر المتوسط وعموم المنطقة، فإن الثمن سيكون باهظا مستقبلا.

إن إنكار "أردوغان" لهذه الحقائق المستقرة في عالم اليوم، ربما تفسر غروره او حماقته في الاندفاع السياسي والتدخل العسكري في سوريا ثم في ليبيا، دون أن يأخذ في الاعتبار ردود افعال الدول العربية والدول الكبرى في العالم ضد هذه السياسات التوسعية التي تفتقر الى العقل والمنطق، ولا تجعل مستقبل المنطقة العربية وحدها في خطر، بل سيكون لها تأثير سلبي على الكثير من الدول الأوروبية بسبب موجات الهجرة غير الشرعية التي سوف تواجهها هذه الدول نتيجة عدم الاستقرار وغياب الأمن في الدول المعنية.

ومن سوء حظ "أردوغان" أن غالبية الشعوب العربية هي شعوب واعية تراهن على مستقبل أفضل، ليس فيه مكان لفلول الجهل والمتاجرين بالدين لأغراض سياسية التي يؤويها أردوغان داخل تركيا لإثارة القلاقل والاضطرابات تحت ستار الدين أو شعارات الديمقراطية التي لا يؤمنون بها. جميع تلك المشاهد تؤكد أن "أردوغان" لم يتعلم من التاريخ ولم يدرك أن الشعوب العربية مثل باقي شعوب العالم الأخرى ترفض الاستعمار والاحتلال من أي جهة كانت.