كل حروب لبنان، بدءاً بعام 1958 وصولاً إلى تلك الحرب الموجعة الطويلة من إبريل عام 1975 وحتى أكتوبر 1990، على قسوتها وأعداد من قتلوا وشردوا فيها فإن ما يجرى الآن أكثر قسوة وأشد إيلاماً إذْ أنّ ما يجري في بلاد الأرز قد زعزع كيان دولة لا أجمل منها ولا أكثر بعداً حضارياً ولا تمدداً ثقافياً في العالم كله والمشكلة أنّ: "حاميها حراميها" وأن من المفترض أنهم "الحامون" لها والأكثر حرصاً على وجودها قد فضلوا كراسي الحكم، إستجابة لتدخل خارجي، على كيانها وعلى وجودها وعلى غالبية شعبها.. وعلى "أرزها" وعلى بقائها كدولة لا مثلها دولة لا في الغرب ولا في الشرق ولا في أي مكان في الكرة الأرضية.
لقد مرَّ هذا البلد الجميل، منذ إعلان لبنان الكبير في مايو 1926 وأيضاً منذ تأسيسه كدولة، أي هذه الدولة، في 22 نوفمبر 1943، بظروف صعبة ودفع إستحقاقات كثيرة إن في محيطه الإقليمي وإنْ دولياًّ لكنه لم يصل إلى ما هو عليه الآن من مصادرة لقراره الوطني وتسلط الطامعين فيه عليه وحيث أصبح يُحْكم لا من قصر بعبدا ولا من "برلمانه" في بيروت بل من ضاحية بيروت الجنوبية التي تحولت إلى تابع لإيران ويحكمها حسن نصر الله بإسم قاسم سليماني ومن حلوا محله وهذا كان قد قاله زعيم حزب الله اللبناني مراراً وتكراراً والمؤسف أن حركة "أمل" باتت تابعاً له من حيث "الطاعة" وعلى أساس التابع والمتبوع!!.

لقد مرَّ على هذا البلد الصغير بحجمه الجغرافي والكبير بمكانته ودوره الإقليمي والدولي والحضاري متسلطون كثر لكن لم تصل الأمور إلى ما هي عليه الآن حيث بات القصر الرئاسي في غياب كامل وأصبح قرار لبنان وللأسف عند حسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية.. وأيضاً وإلى "حدٍّ ما" في دمشق (الأسد).. وحقيقة أن الدولة اللبنانية التي كانت دائماً وأبداً صاحبة دور طليعي لم تعد موجودة على الإطلاق.. وأن الشعب اللبناني لم يمرّ على مدى تاريخه الطويل بما يمر به.

من كان يتصور أنّ اللبنانيين بكل فئاتهم وأحزابهم و"طوائفهم الكريمة" باتوا بغالبيتهم يتضورون جوعاً ومن كان يتصور أنّ "الدولار" أصبح يساوي ثمانية آلاف "ليرة" وأكثر.. والقادم أعظم ومن كان يتصور أن يأتي يوم يهان فيه هذا الشعب الذي كانت كرامته تلامس غيوم السماء وأن يفرض عليه "أتباع" حراس الثورة الإيرانية أن لا يكون قرار لبنان قراره ولا قرار قصر "بعبدا" وإنما قرار الضاحية الجنوبية.
ثم من كان يتصور يا ترى أن يكون هناك كل هذا التطاول على رجل الدين "الشيعي" الجليل علي الأمين وإتهامه بالعمالة: "للعدو الصهيوني" و"بإثارة النعرات الطائفية" والسبب أنه يرفض التبعية لإيران وأنه معارض لحسن نصر الله ولحزب الله الإيراني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيأتي على الناس سنوات خدّاعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخّون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة.. قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟؟؟..قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة..

وحقيقة أن الشعب اللبناني في زمن الرويبضة الآن ..وإلاّ ما معنى أنّ من يحكم في بعبدا هو صاحب ضاحية بيروت الجنوبية وليس الرئيس ميشيل عون الذي هو مجرد شاهد ما شافش حاجة!