من تابع كلمات المندوب الاثيوبي "تاس أسقي سلاسي" في جلسة مجلس الأمن بشأن سد النهضة يشعر أن من يتحدث مندوب إسرائيل وليس مندوب إثيوبيا، نفس النهج الاسرائيلي في التعامل مع قضية فلسطين، كذب وخداع والقاء التهم جزافا، وتصوير الحق على أنه باطل، والباطل على أنه حق، زعم المندوب الإثيوبي أن مصر لم تبد أي مرونة في المفاوضات مع بلاده خلال الجلسات التي جمعت الجانبين، ليرد عليه وزير الخارجية المصري "سامح شكري" بأن بلاده وقعت على اعلان المباديء واحترمت كل تعهداتها من أجل التوصل إلى اتفاق، وعدم التوصل إلى اتفاق سيزيد النزاعات في المنطقة، وفند قائد الدبلوماسية المصرية مزاعم المندوب الإثيوبي وأوضح أن مصر لم تلجأ إلى مجلس الأمن إلا بعد مرواغات الجانب الإثيوبي، وأن بلاده لن تسمح بأي تهديد لأمنها المائي، والحقيقة أن التعنت الاثيوبي تقف ورائه قوى دولية وعلى رأسها أميركا، وقوى اقليمية وعلى رأسها إسرائيل، فحكاية إنشاء سد النهضة قديمة ترجع الى الستينيات من القرن الماضي، حين استجابت الحكومة الأميركية لطلب اثيوبيا انشاء سد على النيل الأزرق 1964 ووضعت دراسة لذلك، بعد عزم مصر إنشاء السد العالي ووضع حجر الاساس له في 9 يناير 1960، ووقعت أميركا واثيوبيا اتفاقا لانشاء السد بمسميات مختلفة إلى أن استقر اسمه على "سد النهضة، وما يتم الآن هو نتاج هذه الدراسة، ودخلت اسرائيل على الخط وإن كان بشكل خفي في ظل الغياب العربي، وتراجع النفوذ المصري في القارة السمراء نتيجة مؤامرة 25 يناير 2011 وما بعدها،
فإسرائيل تسعى إلى السيطرة على منابع نهر النيل في منطقة الهضبة الإثيوپية، والتي ترفد نهر النيل بحوالي 85 بالمئة من مياهه، كما تصور اسرائيل لاثيوبيا أنها ستصبح قوى عظمى جراء تصدير الكهرباء إلى دول المنطقة، وما يترتب على ذلك من عوائد مالية ضخمة ، كما تهدف إسرائيل من خلال تغلغلها في إفريقيا إلى استكمال خطة الطوق الإفريقي (جنوب السودان، كينيا، ارتيريا، اثيوبيا)، عبر آليات عدة من بينها شراء العدد الأكبر من السندات في سد النهضة، والتعامل مع مصر من خلال الطوق الإفريقي، وإيجاد آليه للتعاون مع الصين التي تملك الكثير من الشركات والمصالح، وإغراق مصر في المشكلة وابتزازها في المواقف السياسية.

وأعتقد أن إدارة المفاوضات في هذا الملف تيدو أكثر صعوبة من إدارة الحرب، خاصة وأن موضوع مياة النيل مسألة حياة أوموت بالنسبة للمصريين، وبالتالي فالقضية تمس مصائر شعب بأكمله ، ولا يجب تقديم أي تنازلات، والأهم أن تكون المفاوضات على الطاولة متزامنة مع الاستعداد لاستخدام القوة لاسترجاع الحقوق، وفرض الإرادة على الطرف الآخر، فالمصريون ضحوا بالغال والنفيس من قديم الزمان من أجل هذا النهر المبارك، وحين كانت تنقص المياه ويجف الزرع والضرع، كان أقباط مصر يقدمون للنهر قربانا فتاة جميلة تتزين بالحلى والجواهر والملابس الفاخرة حتى تفيض مياهة وتجري، عادة فاجأت عمرو بن العاص حين فتح مصر فأرسل يستشير أمير المؤمنين سيدنا "عمر بن الخطاب" رضي الله عنهما ، فكتب له عمر رسالة، وأمره أن يلقيها في النيل جاء فيها:( من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر..

أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجري، وإن كان الله الواحد ل بحسب المؤرخين، فليدرك صناع القرار السياسي أن النيل جنة مصر والمصريون لن يهنأ لهم عيش دون مياهه وقد صدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
النِّيلُ العَذْبُ هو الكوْثرْ والجنة ُ شاطؤه الأخضرْ.