كثيراً ما نجد أنفسنا نمر بفترات نشعر فيها بالتشتت وعدم الوضوح، حالة من الملل والألم أحياناً، نشعر أننا نختلف عن الآخرين، وأن معاناتنا من نوعٍ خاص، نرى الإحباط في كل ما يحيط بنا، وفي الواقع فإن تلك الحالة تختلف من إنسان لآخر بحسب سمات الشخصية لكل فرد والطبيعة الانفعالية العامة التي يمتاز بها مزاجه، بالإضافة إلى الظروف البيئية والأسرية والاقتصادية التي يعيش تحت وطأتها.

وبشكلٍ عام هناك عدة مبادىء أرى أن الجهل بها أو عدم الإيمان والاقتناع بها هو ما يقف خلف كل معاناة نفسية ومشاعر سيئة تؤدي بطبيعتها إلى الانخفاض في حالة المزاج.

تلك المبادىء منها ما يختص بذاتك، ومنها ما يختص بعلاقتك بالمجتمع ومن حولك والحياة عموماً، وتذكَّر أن هناك قاعدة فقهية شرعية تقول: (ما بُنيَ على باطل فهو باطل) هذهِ القاعدة لها بُعد نفسي كذلك وتنطبق أيضاً على مشاعرنا، فما تعتقده أنت ستعمل به حتماً وسترى أثره على مشاعرك، من هنا كان لزاماً علينا أن نراجع أنفسنا من حينٍ لآخر لنرى ونتفحَّص معتقداتنا وأفكارنا حول أنفسنا وحياتنا وكل من حولنا.

أضع لك هذهِ المبادىء:

١.كل إنسان على وجه الأرض لديه ما يحزنه ويقلقه، وأنت بصفتك إنسان التمس العذر لنفسك وتقبَّل هذا الحزن والقلق العابر، فهما جزء أصيل من طبيعتنا البشرية. ولكن إن شعرت بعدم قدرتك على الاحتمال أو أن هذا الحزن والقلق قد أعاق حياتك، فلابد من زيارة الطبيب النفسي ليقوم بمساعدتك.

٢.الموت هو أعظم المصائب، رغم ذلك ورغم فراق الكثير مِمَّن نحبهم، إلا أن الحياة مستمرة، لذلك ومن باب أولى ألَّا تخشى أي شيء آخر لأنه حتماً لن يكون أعظم من الموت.

٣.في ظل انحطاط الكثير، ليس عذراً لك لتنحط وتجاريهم في انحطاطهم، جاهد وحافظ على بقاء نزعتك الإنسانية، لأنك في النهاية لن تندم، وثق أنك تقوم بالعمل الصحيح.

٤.هناك الكثير من الأشياء التي ربما تود أن تتحقق لك، لكنها صعبة المنال، لذلك أنت تعاني بسببها وتؤجِّل سعادتك من أجلها، الحل هو أن تعلم يقيناً أن كل من رحل عن هذهِ الحياة قد تركها وهو يرجو أموراً لم تتحقق له، لذا عش لحظاتك الحالية واستمتع بما لديك، فإن أتاك ما تريد كان حسناً، وإن لم تُؤتَى ماتريد فإنك قد بذلت جهدك ولكن الأمر فوق طاقتك، لذا لا تلُم نفسك أو تعاتبها.

٥.لا يوجد إنسان في زماننا هذا إلا وهو مظلوم بشكل أو بآخر، وهذا أمر طبيعي وهو امتداد لخطيئة أبينا آدم عليه السلام عندما ظلم نفسه وظلمنا معه وظلم الإنسان نفسه عندما قَبِل الأمانة التي عُرِضت عليه، لن أقول لك سامح واصفح لأنها ثقيلة على النفس ولا يمكن تخيُّل ذلك، ولكن يجب أن تعلم أن مشاعر الكراهية التي تحمِلها تجاه الظالم والمسيء لن تأخذ بحقك مطلقاً، وإنما ستعمل على تدميرك شيئاً فشيئاً.

٦.لا تُجهد نفسك وعقلك في محاولة معرفة وفهم كل شيء، فهناك أمور من الأفضل لك ألَّا تعرفها أو تفهمها، الجهل بها يعطيك الراحة والسلام الداخلي، ولا تبحث عن تفسير لكل ما يحدث، لأن التفاسير ستتعدَّد بقدر تعدُّد المُفسِّرين، خذ ما يعنيك واترك ما لا يعنيك، انشغل بالأمور التي تعود عليك بالنفع.

٧.اجعل تصوُّرك عن الله قائم على مفهوم الرحمة، ولا تأخذ دور الله في المحاسبة والحكم على البشر، لم يُخوِّلك الله بتلك المهمة، الله هو الخالق، وهو أعلم بحال وظروف كل إنسان منك.

٨.كل شخص ممتلىء بالعيوب، ومُثقَل بنوع مُعيَّن من الهموم، وأنت من هؤلاء الأشخاص، فانشغل بإصلاح عيوبك ودع عنك التفتيش والبحث والحديث عن عيوب غيرك، ولا تَشكُ همك إلا لمن يرتضيه قلبك ويبادلك الرضا والمحبة، لأنه الوحيد الذي سيحتضنك ويداوي جراحك ويُخفِّف وطأتها عليك، وتَمثَّل هذهِ الأبيات دائماً للشاعر الكبير كريم العراقي:
لا تشكُ للناس جُرحاً أنت صاحبهُ
لا يؤلمُ الجُرح إلا من بهِ ألمُ
شكواكَ للناس يا ابن الناس منقصةٌ
ومَن مِن الناس صاحٍ ما به سقمُ
فالهمُّ كالسَّيلِ والأحزانُ زاخرةٌ
حُمْرُ الدلائلِ مهما أهلُها كتموا
فإن شكوتَ لمن طابَ الزمانُ لهُ
عيناكَ تغلي ومن تشكو له صنمُ

٩.اعلم أن كل شر على هذهِ الأرض يقف خلفه رجل دين أو رجل سياسة، ولا يعني هذا أن كل رجل دين أو سياسة بالضرورة شرير، إنما كل شرير يمتد شره على أفراد المجتمع هو بالضرورة رجل دين أو سياسة، لذا كُلَّما ابتعدت عن رجال الدين والسياسة وابتعدت عن كل ما يتعلق بهم من أخبار وقضايا، كُلَّما كنت أقرب للخير والسلام والطمأنينة. فالدين والإيمان قلبك يدلك عليهما ولستَ بحاجة لرجل دين يأخذ بيدك نحو الله، وعالَم السياسة لا شأن لك به ولا قدرة لك عليه أصلاً، فالحروب والدمار لن توقفهما بمشاعر الاستياء، والمظالم والفساد لن تقضي عليهما بمشاعر القهر. انشغل بمشاهدة الأفلام الوثائقية الثقافية، أو الأفلام التي تستهويك، ركز على تعلم مهارات جديدة أو لغات أخرى، هكذا تصنع إنجازاً وتحقق أهدافاً تشعر بلذتها مع الوقت.

١٠.والداك هما بركة حياتك وضمان آخرتك، لن يحبك أحد أو يتمنى لك الخير كما يحبك والداك ويتمنيان الخير لك، إن كانا على قيد الحياة فاستشعر نعمة وجودهما واعمل جاهداً على إسعادهما بالجلوس معهما وإدخال الفرح والبهجة عليهما من خلال الهدايا وغيرها، احذر أن يكون جلوسك مع أصحابك أكثر من الجلوس معهما، ستندم أشد الندم عندما يرحلان.

١١.لا يُهلِك النفس ويُمرِضها، ويمنع الخيرات ويَحجُبها، أكثر من ثلاث: الحقد والحسد وسوء النوايا.

نقاء القلب وحُسن النوايا لجميع البشر حتى من أساءوا لك، هو أعظم انتصار تحققه نفسك، حينها تسمو وتعلو بأخلاقك فتكون ملاكاً في هيئة إنسان. نبي الله يوسف عليه السلام عندما رأينه النسوة قلن: (حاشَ لله ما هذا بشرا إنْ هذا إلا ملكٌ كريم) ليس لأنه كان جميل الخِلقة فحسب، وإنما لتميُّزه بأخلاقه ومبادئه وكِبَرُ نفسه وسُمُوّها والتي بها جميعاً قد بلغ تلك المنزلة الرفيعة وكاد أن يكون ملاكاً.

١٢.أعمال بسيطة قد نجد فيها ما لانجده في غيرها من معنى وسعادة وارتياح وشعور بالسلام، وهي التي ننشُدها جميعاً. جرِّب مثلاً:
سقي النباتات في حديقة منزلك، أو أن يكون لديك أحد طيور الزينة تقوم بإطعامه والعناية به، ممارسة رياضة المشي بشكل منتظم لوحدك أو مع من تحب.

هذهِ الأعمال البسيطة قوتها تكمن في أنها ستقطع عنك الشعور بالملل وكثرة التفكير واجترار الماضي والقلق من المستقبل، ستكون ابن اللحظة.