تعرضت لانتقادات مع بعض "مجاذيب أردوغان"، مؤخرًا بسبب عدة مقالات حول الاحتلال التركي للأراضي العربية في سوريا وليبيا، وانتهاك سيادة الأراضي العراقية باستمرار. وللأسف الشديد وجدت عند بعضهم مشاعر حب وولاء لتركيا وأردوغان، قد تكون أكبر من تلك التي يكنونها لبلادهم وعروبتهم.

وخضت مناقشة مع صديق، كنت أعتقد أنه لديه خبرات قانونية وسياسية كبيرة، لكني صدمت عندما وجدته مشحونًا بالكراهية ضد بلاده وعروبته، ويرى الرئيس عبد الفتاح السيسي طاغية، بينما يرفع أردوغان إلى درجة الخلفاء الراشدين المهديين، ويراه نصيرًا للمسلمين المظلومين في شتى أنحاء المعمورة.. "أي والله هو كده، ولسه زعلان مني".

لم يكن هذه الصديق وحده، المغرم بالأتراك والمرحب باحتلالهم للأراضي العربية، والمبرر والمسوق لها، بل هناك كثيرون، بعضهم لن تراه أو تسمع له، إلا إذا استفزته كلماتك عن عدم شرعية احتلال أردوغان لليبيا، وعربدته في أراضي جيرانه العرب، بينما يلتزم أقصى درجات "الاحترام التي تصل إلى حد التذلل مع جيرانه الأوربيين والروس والإيرانيين".

ورغم تلك النظرة التي يكسوها الفخر والاعتزاز لأردوغان وتركيا، من قبل بعض العرب، الكارهين لبلادهم، لأسباب سياسية أو لخلافات مع أنظمة الحكم، إلا أن الطبقة السياسية في تركيا، تنظر إلى العرب بـ"دونية وعنصرية"، بل إن أردوغان نفسه هو من يغزي تلك النظرة في المرحلة الراهنة، ويتحدث بعنجهية واضحة عن أصوله العثمانية، ويسعى إلى استعادة تلك الإمبراطورية البائدة، ولكن على أنقاض العرب.

في 16 ديسمبر 2017، أعاد وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان، نشر تغريدة تتهم فخر الدين باشا الحاكم العثماني للمدينة بين عامي 1916 و1919 بارتكاب جرائم ضد سكانها وسرقة متعلقاتهم.

وقالت التغريدة: "إن الأتراك سرقوا أغلب مخطوطات المكتبة المحمودية بالمدينة، فهؤلاء أجداد أردوغان وتاريخهم مع المسلمين العرب."

وهنا ظهرت النبرة الاستعلائية لدى أردوغان في مواجهة العرب، وقال في كلمة له بأنقرة موجهًا حديثه إلى بن زايد: "حين كان جدنا فخر الدين باشا يدافع عن المدينة المنورة، أين كان جدك أنت أيها البائس الذي يقذفنا بالبهتان؟".

وتابع موجهًا حديثا إلى بن زايد: "عليك أن تعرف حدودك، فأنت لم تعرف بعد هذا الشعب (التركي)، ولم تعرف أردوغان أيضا، أما أجداد أردوغان فلم تعرفهم أبدا".

النظرة الدونية للعرب متأصلة لدى الطبقة السياسية في تركيا منذ قرون طويلة، حسبما يكشف المفكر الإسلامي الكبير عبد الرحمن الكواكبي، في كتابه "أم القرى"، الذي حاول من خلال هذا الكتاب الدعوة إلى إنشاء خلافة عربية في مكة المكرمة، ردًا على تعاون العثمانيين مع الأوربيين ضد العرب والمسلمين.

وذكر الكواكبي في كتابه أن "السلطنة العثمانية سعت في عصر عبد الحميد الثاني إلى ادعاء أحقيتها بخلافة المسلمين، وكان ذلك في الحقيقة مشروعا إمبرياليا وضعته ألمانيا القيصرية وزينته للسلطان العثماني بقصد تهييج المسلمين الخاضعين للاستعمار البريطاني والفرنسي. وكان قصد ألمانيا من ذلك طرد الفرنسيين والإنجليز من تلك البلدان والحلول فيها عسكريا بدلا منهم".

وكشف الكواكبي في كتابه "أم القرى" أن الأتراك ينظرون إلى العرب نظرة سيئة جدًا، ويصفونهم بأقذع النعوت، وقال إن كل الدول الإسلامية استعربت لغة العرب في العصور الوسطى رغم أصولها الفارسية والأفغانية المختلفة، إلا الدولة العثمانية، وجاء في الكتاب: "فلم يشذ في هذا الباب (الاستعراب) غير آل عثمان، ولم يقبلوا أن يستعربوا، بل إن المتأخرين منهم قبلوا أن يتفرنسوا (أي يتعلموا ويتحدثوا باللغة الفرنسية)، ويتألمنوا (أي يتعلموا ويتحدثوا اللغة الألمانية)".

ويرجع الكواكبي رفض آل عثمان للغة العربية، إلى كراهيتهم للعرب، وقال: "ولا يعقل لذلك سبب غير بغضهم الشديد للعرب كما يستدل عليه من أقوالهم التي تجري على ألسنتهم مجرى الأمثال في حق العرب كإطلاقهم على عرب الحجاز «ديلنجي عرب» أي العرب الشحاذين وإطلاقهم على المصريين «كور فلا» بمعنى الفلاحين الأجلاف، وتعبيرهم بلفظة «عرب» عن الرقيق وعن كل حيوان أسود، وقولهم «يس عرب» أي عربي قذر".

وأورد الكواكبي ردًا بليغًا من العرب على الاستعلاء العثماني بقوله: "هذا والعرب لا يقابلونهم على كل ذلك سوى بكلمتين الأولى هي قول العرب فيهم: (ثلاث خلقن للجور والفساد القمل والترك والجراد). والكلمة الثانية تسميتهم بـ«الأروام» كناية عن الريبة في إسلامهم، وسبب الريبة أن الأتراك لم يخدموا الإسلام بغير إقامة بعض جوامع".

لست هنا بصدد التشكيك في تاريخ الدولة العثمانية، وولائها للإسلام من عدمه، بل بصدد كشف الفكر الاستعماري لدي الطبقة السياسية التركية، وسعى الحكام الجدد، ممن يلبسون رداء الإسلام لإعادة إحياء تلك الإمبراطورية على أنقاض العرب.

ومع التسليم بأن الدولة العثمانية خدمت الإسلام في أوائل قيامها، إلا أنها في السنوات الأخيرة من عهدها، تعاملت مع المنطقة العربية، بمنطق استعماري بحت، بل إنها أضرت بالإسلام والمسلمين أكثر مما نفعتهم، وعملت على تأصيل النظرة الدونية للعرب، وتقاسم المستعمرات مع الدول الغربية، وهي الطريقة نفسها التي يتعامل بها أردوغان مع دول المنطقة العربية، وما يحدث في سوريا والعراق إلا منطق استعماري واضح، يتم فيه تقاسم الأراضي والثروات.

ويسرد الكواكبي في كتابه "أم القرى" بعضًا من جرائم لدولة العثمانية مع الغرب المستعمر ضد شعوب العالم الإسلامي، وقال: "وهذا السلطان سليم غدر بآل العباس واستقصاهم، وبينما كان هو يقتل العرب في الشرق، كان الأسبان يحرقون بقيتهم في الأندلس. ومن سلاطين آل عثمان من أغروا وأعانوا الروس على التتار المسلمين، وهولندا على مسلمي جاوة والهند. وتعاقبوا على تدويخ اليمن فأهلكوا إلى الآن عشرات الملايين من المسلمين يقتلون بعضهم بعضًا، لا يحترمون فيهم دينا ولا أخوة ولا مروءة ولا إنسانية حتى أن العسكر العثماني باغت المسلمين مرة في صنعاء وقتلهم وهم في صلاة العيد".

وشكل الكواكبي مصدر إزعاج كبير للدولة العثمانية، بعدما كشف زيفها، فأمر السلطان عبد الحميد الثاني بقتله، عبر دس السم له في القهوة.

وتؤكد دراسة حديثة أعدها سونر چاغاپتاي مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، بعنوان "فشل أردوغان في النيل"، أن هناك واقع لا يعرفه الكثيرون عن تركيا: ثمة انتشار كبير لوجهات النظر العنصرية تجاه العرب المتأصلة في الثقافة الشعبية في البلاد. ومن دون قصد، إن العديد من الأشخاص خارج الشرق الأوسط غالباً ما يربطون الأتراك بالعرب بسبب الإسلام، وهي ديانة يتشاطرها غالبية العرب وأكثرية ساحقة من الأتراك. وعلى الرغم من إيمانهم المشترك، إلا أن العديد من المواطنين الأتراك يُضمرون مشاعر عنصرية تجاه العرب، والقليل منهم يرغبون في الارتباط بالثقافات العربية".

وتبرر الدراسة تلك النظرة العنصرية، بأن الأتراك يرون أن العرب خونة، وأنهم السبب في انهيار الإمبراطورية العثمانية عندما ثاروا ضدها في أوائل القرن الماضي، بالقول: "سلّط انهيار الإمبراطورية العثمانية الضوء على العلاقة بين المواطنين الأتراك وجيرانهم - وفي هذه الحالة العرب. وفي ظل اندحار هذه الإمبراطورية في أوائل القرن العشرين، انتشرت موجة من القومية العربية في محافظات الشرق الأوسط، وخاصةٍ في سوريا. وخلال تلك الفترة، تبنّت حركة "تركيا الفتاة" التي كانت مسؤولة عن إدارة الإمبراطورية، القومية التركية على نحو متزايد. وعلى وجه التحديد، قاد جمال باشا - أحد زعماء "تركيا الفتاة" الذي تمّ تعيينه حاكماً على سوريا في عام 1915 - موجة من الاضطهادات طالت قادة قوميين عرب في عام 1916. وأمر بإعدامهم، بمن فيهم 7 في دمشق وآخرين في بيروت. وحتى يومنا هذا، تُعرف ساحة رئيسية في العاصمة اللبنانية باسم "ساحة الشهداء" لتكريم القوميين العرب الذين أُرسلوا إلى حبل المشنقة. ويُعرف قائد "تركيا الفتاة" على نطاق واسع باسم "جمال باشا السفاح".

وتتهم الدراسة نظام حكم أردوغان بتأجيج المشاعر العنصرية تجاه العرب، ويشير إلى انفعال الرئيس التركي وتعاطيه مع تغريدة وزير الخارجية الإماراتي، التي قال فيها: "حين كان أسلافي مشغولين بالدفاع عن المدينة المنورة، ماذا كان أسلافك يفعلون - أنت أيها الرجل الوقح"؟

وتشير الدراسة إلى أن "أردوغان لم يفشل فقط في تغيير وجهات النظر العنصرية للأتراك تجاه العرب، بل شجع أيضاً للأسف جيلاً جديداً من التصورات السلبية والتوترات مع العرب".

عزيزي المحب لأردوغان، عليك تقرأ جيدًا التاريخ وتنظر بعمق في الحاضر، لتعلم أين هي مكانتك لدى حبيبك، فينما تراه خليفة للمسلمين وسيدًا، يراك «ديلنجي عرب" أي «عربي قذر».