بتويتة على حسابه الشخصي على تويتر تحولت بعد ذلك إلى حملة، نجح لاعب مانشستر يونايتد "ماركوس راشفورد" في اجبار الحكومة البريطانية عن التراجع عن قرارها وقف وجبات أطفال المدارس الفقراء هذا الصيف التي تكلفها 120 مليون جنيه استرليني أي ما يعادل 150 مليون دولار، وهو القرار التي بررته حكومة "بوريس جونسون" بتأثر اقتصادها سلبا بسبب جائحة كورونا، حملة لاعب يحمل ضميرا حيا استشعر أنه في يوم ما وقبل الشهرة والنجومية في عالم كرة القدم، كان واحدا من هؤلاء الأطفال الفقراء، طالب الحكومة بالتعامل بمنطق انساني مع هذا القرار، وقال إنه استفاد من ذلك الدعم بسبب فقر عائلته، وهذا ساعد أسرته في رعايته للاستمرار في ممارسة لعبة كرة القدم، وتمثيل منتخب انجلترا في عمر مبكر، مشيرا إلى أنه لو لم يكن يحظى بذلك الدعم المجتمعي، ربما لم يكن لشاب أسود مثله أن يواصل مسيرته باللعبة التي أحبها.

السؤال هنا لماذا نجحت حملة راشفورد؟ كيف لشاب أسود في اوائل العشرينات أن يجبر حكومة بلاده على تغيير سياستها؟

واقع الحال هو أن راشفورد تخلص من فكرة العار، تحدث عن فقره بمصداقية، تحدث بفخر عن حياته طفلا فقيرا، لم يكن في كثير من الأيام يجد ما يسد جوعه، تحدث بعزة نفس عن والدته التي تكفلت برعايته دون أب، حدث جمهوره عن أنه كان واحدا من نحو مليون ومائتي طفل في بريطانيا يتلقون وجبات مجانية في المدارس، كان حديثه من القلب إلى القلب، فتعاطف معه جمهور بريطاني واسع مؤيدا حملته.
قدم راشفورد أمثلة واقعية من تجاربه في عالم كرة القدم، قال إن هدفه الذي اخرج فريق باريس سان جيرمان من كأس ابطال اوروبا لم يكن نجاحا لمانشستر يونايتد الذي لم يحصل على البطولة رغم احتفال الصحافة البريطانية بهدفه، قال إن فريقه قطع مرحلة في البطولة لكنه لم يحمل كأس أبطل أوروبا، وهو ما ينطبق على مكافحة الفقر، خطوة تساهم في الحد من الفقر لكن القضاء عليه يحتاج الى خطوات، كان راشفورد صادقا فنجحت حملته في اجبار الحكومة البريطانية على التراجع.

ساهم في نجاح حملة راشفورد الإعلام الذي لم يوجه اتهامات للاعب بأنه مأجور أو يعمل لصالح جهات معادية للحكومة، لم ينظر الإعلام البريطاني بعنصرية إلى حملة لاعب أسود، بل نظر اليها على أنها حملة من اجل دعم الاطفال الفقراء الذي كان راشفورد واحدا منهم، لم يشهر به، لم يتحدث الاعلام عن اسرته خاصة والدته إلا بفخر برحلة كفاحها وتربية لاعب بهذه الأخلاق العالية، لذا ايد الاعلام حملته ولم يشكك أبدا في نواياه الطيبة تجاه الأطفال الفقراء.

ساعد في نجاح حملة راشفورد جمهور يميل الى أن تسود العدالة بين كافة فئات المجتمع، فالفكرة قد لا تنجح مالم يدعمها جمهور مؤمن بفكرة العدالة خاصة في المجتمعات الغربية، جمهور لا يغفر لحكومته أي أخطاء، جمهور بإمكانه أن يلقي بالحكومة في سلة المهملات عبر صناديق الاقتراع.
واخيرا ساعد في نجاح حملة راشفورد حكومة تخجل من تطبيق قرار يضر قطاعا كبيرا في المجتمع، فما بالك اذا كان هذا القطاع هم الاطفال الفقراء، لذا تستجيب الحكومات في هذه المجتمعات لمطالب شعبها ليس منة أو كرم أخلاق منها، بل لأنها تلتزم بمن جاءوا بها الى الحكم، وإلا فإن مصيرها سيكون غير محمود العواقب، عكس الحال في كثير من مجتمعاتنا، حكومات لم تأت عبر صناديق الاقتراع، وبالتالي لا تستجيب لمطالب شعوب لم تنتخبها.

في مجتمعاتنا لم نسمع عن مبادرات لدعم الأسر الفقيرة والعمال الذين توقفت أعمالهم بسبب جائجة كورونا، فقط مبادرات حكومية خرجت على استحياء لمنح مبلغ زهيد لعمال اليومية مرة واحدة وتوقف، أما جملة واحدة للاعب مشهور في بريطانيا، اجبرت الحكومة البريطانية على تغيير سياستها تجاه وقف دعم وجبات الأطفال الفقراء لأنها خرجت في بيئة محتلفة ولاهداف نبيلة، أما في مجتمعاتنا العربية خاصة مصر فتخرج دعوات من فنانين ومشاهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي (من باب الوجاهة والفشخرة ) ولا نرى لها تنفيذا على أرض اواقع، فلم تنجح لأنها غير صادقة، وتخرج من أناس معظمهم منافقون هكذا حال مجتمعاتنا وحال مجتمعات الغرب فلله الأمر من قبل ومن بعد.