لماذا يلتزمون بالقوانين في غير بلادهم ولا يلتزمون بها في بلادهم؟، سؤال نطرحه وربما يصلح ان يكون موضوعا لندوة اومؤتمريناقش هذا الامر من مختلف جوانبه الاجتماعية والنفسية والقانونية وغيرها.

فمن المعروف ان الظروف التي مر بها العراق والعديد من دول الشرق الاوسط، دفعت الملايين الى النزوح والهجرة وتخطي طرق الموت واجتياز البحار، التي ابتلعت المئات منهم في سبيل الوصول الى شواطئ الامان، والحصول على ابسط الحقوق او الاقامة في بلاد الغرب، والتي اصبحت على مر السنين تضم مجموعات كبيرة بعضهم دخل الحياة السياسية والاجتماعية في تلك البلدان ووصلوا الى مراكز عليا ومتقدمة سواء في البرلمان او حتى وزراء في بعض تلك الحكومات.

واذا كان المغترب في تلك البلاد يمشي على الرصيف ويلتزم باشارة المرور، ولا يسوق اي مركبة الا بموجب اجازة مختصة بها، ولا يرمي الاوساخ الى الشارع من نافذة سيارته، بل ويلتزم بالطابور وغيرها من التصرفات والاعمال، التي وان بدت بسيطة وسهلة اومتآلف عليها في تلك البلاد.

الا اننا نرى الكثيرين منهم عندما يعودون الى بلادهم، ربما يلتزموا بهذه التصرفات فترة ما ثم يعودوا الى ما يتصرف به الجمهور والعامة حيث يؤثر عليهم الواقع الموجود، ونجد ان ما اكتسبوه من صفات ربما تتغير او تضعف الى الحد الذي يجعلهم يستجيبون لتصرفات العامة، والذين لا يستجيبون الى املاءات الواقع الموجود في بلادهم او اذا ما صعب عليهم التآلف مع مجتمعهم الاصلي الذي عادوا اليه، نجدهم يسلكون طريق الهجرة والعودة من جديد الى دولهم التي جائوا منها وربما الى طريق اللاعودة الى بلادهم الاصلية.

ان من المهم الاشارة اليوم الى انه في العراق وليبيا والبعض من الدول عاد هؤلاء المغتربون الى بلادهم وتسلم الكثير منهم مفاصل الدولة وامور الادارة، بل وصل البعض منهم الى اعلى المناصب، ولكن الغريب ان الواقع الموجود في هذه البلاد يسير من سئ الى أسوء، وفشلهم واضح لا يحتاج الى بيان، وكأن هؤلاء قد نسوا ما تعلموه في ديار الغربة من الاخلاص والاتقان في العمل واحترام القوانين والمواعيد والالتزام والانضباط في كل امور حياتهم، الى النقيض من ذلك وخير شاهدعلى ذلك معدلات الفساد والفاسدين في العراق، الذين نهبوا المليارات وهربوا الى خارج البلاد،

تحميهم جنسيات بلادهم وتستر قادة احزابهم الشركاء لهم في السرقة ونهب المال العام وغسيل الاموال وشراء الاملاك والعقارات خارج العراق.
كما ان هناك البعض من الذين هربوا من جحيم بلادهم، سرعان ما تحولوا الى اداة بيد من طردهم واحتقرهم وانجرفوا الى التطرف والارهاب، واخذوا يفجرون في بلاد احتضنتهم واحترمتهم ومنحتهم اللجوء والحماية من حكامهم، والبعض منهم من لا يستطيع حمل سكين او مسدس غير مرخص في بعض البلدان اخذ يحمل الكاتيوشا والصاروخ في بلاده لتحقيق ما تريده تلك البلدان كما هو حاصل في العمليات الارهابية في العراق وليبيا وغيرهما.

انفصام الشخصية (شيزوفرينيا) المواطن والحكام والانظمة والتعامل المتبادل بينهما، هو سبب موت الوطنية والاعتزاز بالوطن، ومحاولة الهروب واللجوء الى اي مكان، لان الاحساس بالغربة في وطنك احساس فظيع، ولان الكثير منا في وطننا غرباء ولا نشعر بالامان والعدالة والمواطنة، بينما بمجرد ان تخرج الطائرة من اجواء بلادك تحس بانك طير حر يعيش الحرية والامان.