دعنا من كل ما كتبت وما قلته بحق السلطة الفاسدة في كردستان. وانسوا أنني عارضت بكل وضوح إستفتاء حزب البارزاني لإستقلال الإقليم وقلت بأن الوقت ليس مناسبا للإنفصال عن العراق بسبب ضعف التأييد الدولي آنذاك، ودفعت ضريبة باهضة لمواقفي المناهضة للسلطة في كردستان وصلت الى حد قطع أرزاقي.

ورغم أنني كنت ولا زلت أنظر الى هذه الإدارة الفاشلة بكل المقاييس وفي جميع المجالات نظرة إنسان غيور على شعبه، مهموم بما آلت أيه أوضاعه المأساوية، حيث باتت حكومة إقليم كردستان عاجزة تماما عن تأمين رواتب موظفيها ناهيك عن القيام بواجباتها كحكومة مسؤولة فيما يتعلق بتحسين الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى. ورغم أن كتاباتي أدت بالكثير من أبواق السلطة الحاكمة الى تخويني ووسمي بالعمالة للشيعة، ووجهت الي تهمة ( العراقجية ) على وزن ( القومجية ) التي ينفر منها الجميع، وعلى الرغم من إنني عارضت في كتاباتي أيضا سياسات الحكومات المتعاقبة على العراق منذ سقوط النظام الفاشي السابق، لكني أرى اليوم أن السلطة الحالية في بغداد ترتكب جريمة كبرى بحق شعبي في كردستان لاتقل خطورة عن جرائم الإبادة الشاملة التي إرتكبها النظام البائد، وهي جريمة تجويع الشعب الكردستاني عبر قطع أرزاق الموظفين وميزانية الإقليم في مخالفة واضحة وصريحة للدستور الذي أقررناه نحن والشعب العراقي معا.

فمنذ ما يزيد عن خمس سنوات تحتجز الحكومة الإتحادية حصة إقليم كردستان من موازنة الدولة. ورغم أن هذا الإجراء كان مخالفا للدستور، لكننا قد نعطي بعض الحق للسلطة الاتحادية لهذا الاجراء بسبب تعنت حكومة الإقليم في تسليم إيراداتها الى خزينة الدولة. لكن الظروف الحالية بكردستان خصوصا مع تدني أسعار النفط العالمية، وظهور وباء كورونا اللعين تتطلب من بغداد أن تتحمل مسؤولياتها أمام الشعب الكردي الذي يئن موظفوه من جوع قاتل بسبب تأخر رواتبهم. فها هي الحكومة الإتحادية تحاول قتل الوقت في المفاوضات الجارية منذ عدة أشهر بينها وبين حكومة الإقليم لحل المشكلات العالقة، فرغم مرور عدة أشهر وعقد سلسلة من جولات المحادثات بين الطرفين لكن يبدو أن مايجري في بغداد لا يعدو سوى ( حوار الطرشان )، فكلما تقدمت حكومة الإقليم بتنازلات من أجل التوصل الى حلول مرضية حتى نجد تعنتا من الحكومة الاتحادية عبر رفع سقف مطالبها ووضع العراقيل أمام أية حلول منطقية، وكأن هذه الحكومة الاتحادية أصبحت زاهدة بالشعب الكردي.

ان تهرب الحكومة العراقية من إلتزاماتها تجاه كردستان يخالف روح الدستور وجوهره الذي يؤكد على الشراكة الوطنية، وخصوصا أن الإلتزام بالدستور هو الضمانة لبقاء العراق موحدا ومستقلا..
يقول الدستور العراقي في الباب الثاني ( الحقوق والحريات ) في المادة (14 ) : العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.
وتقول المادة ( 15 ) : لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهةٍ قضائيةٍ مختصة.

وتشير المادة (16 ) الى أن : تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك..

فأين المساواة وتكافؤ الفرص وحق الحياة الحرة للمواطن الكردي العراقي وأنت تحرمه من راتبه مصدر عيشه، وتفضل عليه موظف البصرة والديوانية وبغداد؟!.

وتنص المادة (30) أيضا من الدستور : أولاً:- تكفل الدولة للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم..

دعنا عن توفير السكن فهذا حلم لن يتحقق للمواطن العراقي الى يوم القيامة، ولكن أليست هذه المادة تلزم الدولة بتوفير حياة حرة كريمة للفرد والأسرة ويضمن لهم الدخل المناسب من ضمنهم المواطن الكردي في إقليم كردستان؟!.

تنص المادة ( 110 ) : تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي..

السؤال هو، كيف تريد السلطة الاتحادية أن تحافظ على وحدة العراق وسلامته وهناك مايقرب من ستة ملايين انسان لا تريد الحكومة الاتحادية أن يشعروا بإنتمائهم لهذا الوطن !!.

وتنص المادة ( 117 ) أولاً:- يقر هذا الدستور، عند نفاذه، إقليم كردستان وسلطاته القائمة، إقليماً اتحادياً.
وتقول المادة(121) ثالثاً:- تخصص للأقاليم والمحافظات حصةٌ عادلة من الإيرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها..

أين هي الحصة العادلة من إيرادات الدولة للإقليم الذي أقره الدستور إقليما إتحاديا؟؟!!.

هذه هي النصوص الدستورية التي تنتهكها السلطة الاتحادية في بغداد منذ الوزارة التي شكلها نوري المالكي وصولا الى رئيس الوزراء الحالي السيد مصطفى الكاظمي، إجراءات غير دستورية وغير قانونية مجحفة بحق الشعب الكردي، ولا يحق لأي رئيس وزراء عراقي أن يعاقب شعبا بجريرة السلطة التي تحكم كردستان وهي رغم كل مساوئها، سلطة منتخبة تحظى بشرعية ديمقراطية وقانونية، فكما تقول الآية الكريمة " ولا تزر وازرة وزر أخرى ".
ما يثير الحزن والأسى هو، أن الكثير من أقطاب السياسة الذين يحكمون العراق حاليا كانوا بالأمس لائذين بكردستان هربا من بطش النظام البعثي، وقد فتحت لهم كردستان وشعبها أحضانها الدافئة ووفرت لهم الأمن والسلام، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!.

أطالب زميلي السابق ورئيس الوزراء الحالي الأستاذ مصطفى الكاظمي أن يوقف هذا الظلم الواقع على مواطني كردستان، وأن لا يستن بسنة الذين جاؤا الى كردستان وشربوا مياهها ثم أصابهم الغرور الأعمى فتنكروا للشعب الكريم الذي استضافهم وكرمهم وأمن لهم الحماية والكرامة، ونأمل أن لايكون السيد مصطفى الكاظمي من تلك الزمرة الخبيثة التي أوصلت العراق الى الحضيض وأفقدت الشعب الكردي كل إحساس وشعور له بالمواطنة العراقية..