هل أصبحت إيران متقدمة فکريا بعد قيام نظام الجمهورية الاسلامية أم قبله؟ مع المٶاخذات المختلفة التي لنا على النظام الملکي، ومع إنه کان نظاما ديکتاتوريا لکنه مع ذلك کان ولأسباب متباينة من أجل ظهوره بمظهر النظام الديمقراطي المٶمن بالآخر فإنه کان يسمح بصورة أو أخرى بشئ ملموس من الحرية الفکرية ولکن شريطة أن لاتتعرض للنظام لکن الذي جرى في عهد الجمهورية التي أقامها الخميني، کان فريدا من نوعه ذلك إنه وسع من دائرة الممنوعات والمحظورات وأضفت على الحظر طابعا مقدسا عندما أقحمت العامل الديني وإستخدمته کوسيلة من أجل تحقيق غاياته، والحقيقة إن هذا النظام وبعد أن جعل الدين وفق السياق القرووسطائي أساسا للحکم فإن الثقافة الايرانية بصورة عامة قد تضررت ولاسيما بعد الموقف الفکري ـ الاجتماعي من المرأة والذي وصل الى حد الاستهانة بکرامتها وإعتبارها الانساني بمنعها من مزاولة العديد من الاعمال أو تلقي العلوم الدراسية في مجالات أخرى وماإليه.

إذا ماکانت اللغة الفارسية لرقتها توصف بفرنسية الشرق، فإن الفکر والثقافة الايرانية وعلى مر العصور المختلفة کانت واحدة من أهم المناهل بهذا الخصوص في العالم الاسلامي بشکل خاص، وإن شعراء وعلماء مبدعين نظير حافظ شيرازي وسعدي شيرازي ومولوي وأبن سينا والفارابي وغيرهم ممن کانوا عمالقة في عصورهم وأصبحوا فيما بعد منارات ولبنات أساسية في العطاء الادبي والعلمي والانساني للعالم کله، لکن الذي حدث في عهد جمهورية الخميني هو حالة نضوب وجفاف ثقافي وفکري وفني غير مسبوقة، وقد يحتج البعض على نتاجات سينمائية في ظل هذا النظام أحدثت ضجة على المستوى العالمي وتم ترشيحها لجوائز عالمية وحصلت عليها، لکن الذي يجب نلاحظه هنا ونأخذه بعين الاعتبار والاهمية هو إن المخرجين الذين قدموا هذه النتاجات قد إضطروا الى مغادرة إيران لأنهم لاقوا ضغوطا وکانوا يعلمون إستحالة العمل في ضوء ذلك.

الرفض الذي واجهه هذا النظام ومنذ البداية من جانب قوى سياسية وإجتماعية متباينة کان يتسم بحالة من التوجه الانفرادي ومن عدم التنسيق والتعاون ولذلك فإن النظام الديني تمکن من خلال أسلوبي الترغيب والترهيب من تصفية وإقصاء معظمها لکن منظمة مجاهدي خلق التي کانت سکينة خاصرة بالنسبة لنظام الشاه فإنها أصبحت أکبر عقبة سياسية ـ فکرية بوجه هذا النظام إذ وقفت بوجه هذا النظام ورفضت الاقرار والقبول بنظرية ولاية الفقيه کأساس للنظام ولذلك کان ذلك الصراع والمواجهة المستمرة على مر 41 عاما المنصرمة حيث کان السبب الاساسي في هذا الصراع تمسك المنظمة بالحرية وعدم تقبلها للاستبداد والديکتاتورية بل وحتى إن حزب تودە الذي إنخدع بمغريات النظام وصار في صفه قد إنتقد بشدة تمسك المنظمة بالحرية وعيرها بذلك!!

مجاهدي خلق التي وقفت بصلابة ملفتة للنظر ضد کل أساليب الترهيب والترغيب للنظام ووقفت بقوة وصلابة ضده فإنها مرت بفترات ومراحل مختلفة من الصراع والمواجهة ضد هذا النظام أثبتت خلالها براعتها في قيادة عملية الصراع والمواجهة ولاسيما بعد تأسيس المجلس الوطني للمقاومة الايرانية في حزيران عام 1981، في طهران، بمبادرة من السيد مسعود رجوي، زعيم منظمة مجاهدي خلق، والتي ضمت قوى وشخصيات سياسية وفکرية إيرانية مختلفة المشارب، لتتقوم بإخراج عملية الصراع من الحالة الانفرادية وتجعلها تتسم بالتنسيق والتعاون والقيادة الجماعية وبذلك فإنها"أي مجاهدي خلق" قد خطت الخطوة العملية الاولى بإتجاه مقارعة الديکتاتورية وطرح البديل المناسب لها الذي بإمکانه التعبير عن تطلعات الشعب الايراني ولئن أکد هذا المجلس على عدة أمور لکنه شدد على رفضه الکامل لتوظيف الدين وتسييسه من أجل بقاء النظام وإستمراره ولذلك فإن النظام وعندما رأى إن هذا المجلس الذي هو من نتاج فکر وتوجهات مجاهدي خلق، يسعى من أجل سلب النظام أهم رکيزة له فکان لابد له أن يضاعف جهوده وحملاته من أجل القضاء على مجاهدي خلق قضاءا مبرما، وکما کان نظام الشاه قد تصور بأن إعدام قيادة منظمة مجاهدي خلق في عام 1971، کفيل بالقضاء عليها وإبادتها، فإن مذبحة صيف عام 1988، ل30 ألف من السجناء السياسيين من أعضاء وأنصار مجاهدي خلق، بعد الفتوى الدموية التي أصدرها الخميني ضد مجاهدي خلق وشدد فيها وبصورة ملفتة للنظر على إعدامهم ونهر کل من تساءل أو إستفسر عن هذه الفتوى العجيبة التي أثارت حتى من قاموا بتنفيذها، هذه الفتوى کانت أيضا جهدا إستثنائيا بنفس السياق، ولکن وکما إنهار وسقط نظام الشاه وکانت مجاهدي خلق أحد أهم أسباب سقوطه لکونها المعارضة الاهم والاقوى والاکثر تأثيرا على النظام وعلى الاوضاع السائدة، فإن مذبحة عام 1988 لازالت کسيف ديموقليس مسلطة على رأس النظام وتعتبر واحدة من أکبر التهديدات القائمة ضده، ولذلك تعتبر هذه المذبحة منعطفا في مسار الصراع بين النظام وبين مجاهدي خلق وللموضوع صلة.