كثيرة هي المفارقات والخزعبلات التي نعيشها وتتعايش معنا فيما كان يسمى قبلا بلاد النهرين وصرنا نسميه الآن بلاد القهرين تندّرا وخيبةً، ولو نصل الليل بالنهار كتابةً وتتبّعا لسوءات ما يجري لما عددنا نصفها ؛ لكن هذه المفارقات التالية قد تكون أرسخها وجودا وأكثرها انتشارا وخِسّةً وبذاءةً :
1) في بلادي لا توجد نزاهة الاّ في الشعارات واللافتات والعلامات واللوحات الإرشادية الدالّة وأروقة بناية اللجنة المسماة بالنزاهة وفي شاشات التلفزيون، والتي يمكن ان نسميها / متلازمة النزاهة العاطلة المعطَّلة التي لا تهشّ ولا تنشّ، فلا تمسك سارقاً ولا تنوش مارقاً.

2) نخبتنا الأكاديمية الجديدة من الحاصلين على الماجستير والدكتوراه في زماننا هذا يحضّرون الشاي والمرطبات والسندويتشات مع أهليهم ومعارفهم وأبناء قبيلتهم بصحبة شاعرهم المسمّى " المهوال " أثناء تحضير أطروحاتهم المشتراة من مكاتب باب المعظم لبيع الأطروحات تتضمن التأليف والبحث والطباعة ؛ اي تحضير موائد ومرطبات ومشروبات ساخنة ولا تعبأ بأطروحاتهم بقدر تعبئتهم لتحضير المشارب والكؤوس والساندويشات بصحبة الترديدات القبلية الفجّة والهوسات العشائرية.

3) في الكثير من أحيائنا في المدن يقوم نازحو الريف بتربية الدواجن والكلاب في زوايا البيت وتعيث مواشيهم في الساحات الخضر ومكمن المزابل تماما مثل أولادهم الذين يتربّون في الشارع والأزقة الخلفية.

4) أثناء الأزمات ومنها أزمة الكورونا الحالية يقوم المواطنون بمعالجة الدولة المفلسة من أموالهم الشحيحة أصلاً اذ تنقلب المعادلة السائدة بمعالجة الإنسان على نفقة الدولة وتصير معالجة الدولة من قبل مواطنيها حيث يتضامن الناس مع بعضهم البعض وتوزيع سلال الغذاء بين الناس أنفسهم بينما الدولة تتفرج ولا تعبأ.

5) السفلة والمنافقون ولصوص الساسة ومختلقو النزاعات في الدرك الأسفل من جهنم – هكذا علّمتنا الأديان والأخلاق السامية من أهلينا -- بينما في الحياة تراهم في صدارة القنوات التلفزيونية والصحافة والإعلام واجتماعات مجالس السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

6) متاجرو الدين وطالبو الجاه والحظوة ممن سرقوا أموال المساكين واليتامى والمعوزين من أبناء شعبي كثيرا ما يقيمون موائد رمضان الرحمانية للمسلوبة حقوقهم وأموالهم من أمثالنا لكسبّ ودّهم وليس إرضاءً لله تعالى، ويبدو اننا من دعوناهم لهذه العزومات من خيراتنا المسروقة ؛ لكنها تُجيّر لحساب حسناتهم.

7) محال ان تجد محاسبة في كل مرافق دوائرنا الرسمية باستثناء وجودها في محاضرات كلية الإدارة والاقتصاد وفي المعاهد الدراسية الاقتصادية حصرا.

8) الحق اقول ان مجلس الوزراء ووزاراته العديدة تملك مواقف كبيرة ؛ وإلا كيف تتراصف سياراتهم وسيارات حمايتهم الكثيرة التي تقارب المئة مركبة ليستوعب مرآبهم .

9) لأن دولتنا أضحت متدينة جدا وتخاف الله تماما فقد بدأنا نسمع في التاكسي وفي حافلات النقل العام العديد من الأناشيد الدينية وكثرة الرواديد وخطب ما يسمى بالروزخونيات بدلا من صباحات فيروز وأماسي ام كلثوم ومقامات ناظم الغزالي وأبوذيات الريف باعتبارها عُدّت من المحارم.

10) في بلادي هناك أناس تعيش معيشة جيدة وبحبوحة يحسد عليها، بينما هناك أناس بالكاد إنها تعيش لتصرخ في التجمهرات رغم نكدها وأوجاعها : عاش فلان ويعيش الحزب الفلاني والفلتاني.

لهذا السبب تكثر تيجانُ الرؤوس على رؤوس الأشهاد ويتسع الصداع فينا وتغيب هدأة البال واحترنا أيّ رأس بصَلٍ نُمجّد وأيّ فحل من الفحول الكثيرة نطيع ونقتدي به.