مع تظاهر نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية خلال عهد الخميني بالقوة ومن إنها تمسك بزمام الامور والاوضاع بقوة، لکن ماکان يدور على أرض الواقع لم يکن يتفق مع ذلك أبدا، فقد کان هناك حالة من الخوف والقلق من الاحتمالات القائمة والواردة ضد النظام خصوصا بعد إعلان وقف إطلاق النار في الحرب التي کانت دائرة مع العراق في 18 تموز1988، خصوصا وإن الخميني أعلن بأن قبوله قرار وقف إطلاق النار کان بمثابة تجرعه لکأس من السم، ولذلك فإن النظام وبعد هذا التطور قرر التفرغ للداخل الايراني عموما ولمنظمة مجاهدي خلق خصوصا، لأنها ظلت القوة السياسية الاکثر تهديدا وتأثيرا عليه، والدليل الذي کان يٶکد هذا الامر إن السجون الايرانية کانت تضم عددا کبيرا من أعضاء وأنصار هذه المنظمة الى الحد الذي ليس هناك من معارضة إيرانية بمقدورها أن تدعي بأنه کان لديها عددا أکبرا من السجناء السياسيين في تلك الفترة أي التي تزامنت مع وقف إطلاق النار في 18 تموز1988.

تواجد الالاف من السجناء السياسيين من أعضاء وأنصار مجاهدي خلق في السجون الايرانية، هو أمر في حد ذاته يدعو للتساٶل؛ لکن الذي يلفت النظر إن حملة الاعتقالات ضد منظمة مجاهدي خلق لم تکن حملة عادية وإنما کانت إستثنائية ومن طراز خاص، إذ إنه الى جانب إعتقال أعضاء أساسيين في المنظمة، فإنه تم إعتقال مثلا من کان بيده منشورات للمنظمة أو کان قريب له في المنظمة أو أي شئ يشم منه رائحة المنظمة، بمعنى إن الاعتقالات کانت تعسفية ولم تتم بموجب أوامر صادرة حتى من القضاء الإيراني نفسه بحيث إنها کانت تماما مشابهة لما کان يجري في الأيام الاولى للثورة من عمليات إعتقال ومداهمات عشوائية وهو إن دل على شئ فإنما يدل على درجة ومدى تخوف وحذر النظام من المنظمة.

تنفيذ مجزرة عام 1988 بحق هٶلاء السجناء السياسيين الذين تقدر أعدادهم ب30 ألف سجينا من أعضاء وأنصار مجاهدي خلق بعد فتوى الخميني على يد محاکم الموت والتي تمت في فترة قياسية لم تتجاوز الثلاثة أشهر، فإن الفترة التي تم فيها تنفيذ هذه المجزرة التي تمت من دون أن تستند على أية أدلة ومستمسکات قانونية کما لم يسمح للمتهمين بأية حقوق قانونية للدفاع عن أنفسهم ولم تکن الفترة المخصصة لمحاکمة هٶلاء السجناء تتعدى عن بضعة دقائق ويتم خلالها إصدار حکم الموت ضده، وهو الامر الذي أثار حفيظة العديد من رجال الدين في النظام وفي مقدمتهم آية الله منتظري، نائب الخميني وقتئذ والذي إتضح بعد نشر تسجيله الصوتي الذي نشره أبنه بعد الاحتفاظ به ل27 عاما، إن المنتظري کان يعارض هذه المحاکمات الصورية وينتقد بشدة عمل وإداء لجان الموت وخصوصا إن التسجيل الصوتي کان لإجتماعه بأعضاء لجنة الموت التي کانت تتشکل من حسين علي نيري، حاكم الشرع آنذاك، ومرتضى إشراقي، مدعي عام طهران، آنذاك، وإبراهيم رئيسي، مساعد المدعي العام، آنذاك(رئيس السلطة القضائية حاليا)، ومصطفى بور محمدي، ممثل وزارة الاستخبارات في سجن إيفين، آنذاك،(وزير العدل)، حيث أعرب عن إمتعاضه ورفضه للأسلوب المتبع وقد أصدر المنتظري وقتها ثلاثة رسائل عامة أرسل أثنين منها إلى الخميني وواحدة إلى اللجنة الخاصة استنكر وشجب فيها الاعدامات وحمـل اللجنة الخاصة مسؤولية انتهاك حرمة الإسلام بتنفيذهم لعمليات الاعدام التي لم تراعي أية موازين قانونية وحتى شرعية وإعتبر إن هذه الاعدامات هي"أكبر جرائم الجمهورية الإسلامية"، ودعا الى إيقافها محذرا من إن مجاهدي خلق حرکة فکرية يجب مجابهتها فکريا وليس بهکذا أساليب ستساهم بنموها أکثر ولکن کلفه هذا الموقف عزله من منصبه وهو مايدل أيضا على مدى حيوية وحساسية هذا الموضوع.

هذه المجزرة مع ملاحظة إن النظام سعى من أجل التستر عليها وإبقائها بعيدا عن الاضواء لکنها مع ذلك ونتيجة لتسريبات قامت بها المنظمة وقتئذ فقد أثارت ضجة في وقتها حتى إعتبرتها منظمة العفو الدولية بمثابة جريمة ضد الانسانية ويجب محاکمة المسٶولين عنها، لکن الظروف والاوضاع الدولية السائدة وقتئذ خدمت النظام کثيرا وساهمت بتجاهل دولي مثير للإستهجان للجريمة، لکن حرکة المقاضاة التي قادتها السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة من جانب المقاومة الايرانية في عام 2016، والتي سلطت الاضواء بصورة غير مسبوقة على هذه الجريمة اللاإنسانية وجعلت الرأي العام العالمي ومختلف المحافل الدولية على إطلاع ببشاعتها، وهو الامر الذي أحرج النظام مجدداخصوصا إذا ماإنتبهنا إن التسجيل الصوتي لآية الله المنتظري قد تم الکشف عنه بعد هذه الحرکة وهو الامر الذي أثبت مصداقيتها ومنحتها الکثير من الاعتبار والثقة. وقد حاول النظام بعد أن صار العالم على إطلاع بالجريمة تبريرها بمختلف الطرق وقد کان هناك سجال قوي قائم بين النظام وبين المنظمة، إذ کان النظام يدعي بأنه قد قام بتنفيذ تلك المجزرة بسبب مخاوفه بعد آثار وتداعيات عمليات"الضياء الخالد" التي تمکنت خلالها جحافل جيش التحرير الوطني الايراني في 24 تموز1988، من تحرير مناطق شاسعة ووصلت الى مشارف مدينة کرمانشاه، لکن مجاهدي خلق کانت ترفض ذلك بشدة وتٶکد بأن النظام کان يبيت الکثير للمنظمة وإنه کان عازم على تنفيذ جريمته مهما جرى وکلف الامر وإن لجان الموت قد تم تشکيلها قبل عمليات"الضياء الخالد" وليس بعدها کما يزعم النظام وحتى إن هناك العديد من الشهود الذين يٶکدون بأن التحقيقات من جانب لجان الموت قد بدأت معهم قبل بدأ عمليات"الضياء الخالد" أي في الفترة المحصورة بين يوم وقف إطلاق النار في الحرب الدائرة مع العراق واليوم الذي بدأت فيه عمليات"الضياء الخالد"، ولأن القضية بقيت محصورة بين المنظمة وبين النظام غير إن ثمة تطور قد حصل ومن شأنه أن يقلب الطاولة على النظام رأسا على عقب عندما أعلنت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الامريکية، مورغان أورتيغاس في 21 من الشهر الجاري في تصريحات رسمية لها من إنه" يصادف التاسع عشر من تموز / يوليو الذكرى السنوية لبدء "لجان الموت" المزعومة في إيران. طبقا لحكم من خميني، فإن هذه اللجان أعدمت الآلاف من السجناء السياسيين المعارضين بشكل غير قانوني أو ورد أنهم اختفوا قسريا."،

وکما هو معروف فإن عملية"الضياء الخالد" التي يبرر النظام جريمته بها قد بدأت في 24 تموز1988، في حين إن لجان الموت قد تشکلت في 19 تموز1988، بحسب ماقد جاء في تصريح المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الامريکية وهو مايعتبر بمثابة توثيق رسمي لموقف مجاهدي خلق من الجريمة وإعتبار موقف النظام غير مبرر وإنه کان يعد لجريمته قبل تلك العمليات وعن سابق قصد وإصرار، وهو الامر الذي من شأنه أن يفتح بابا لإعادة النظر بهذه الجريمة خصوصا وإن المتحدثة بإسم الخارجية الامريکية قد أعلنت في تصريحاتها هذه قائلة:" تدعو الولايات المتحدة المجتمع الدولي إلى إجراء تحقيق مستقل في المساءلة والعدالة لضحايا النظام الإيراني." علما بأنها قالت أيضا في تصريحاتها"يعرف الرئيس الحالي للقضاء في إيران ووزير العدل الحالي كلاهما أعضاء سابقين في "لجان الموت" هذه."و"من المسلم به أن القضاء الإيراني يفتقر إلى الاستقلال وضمانات المحاكمة العادلة، وأن محاكم الثورة بارزة بشكل خاص في إصدار الحكم في انتهاكات لحقوق الإنسان. يجب محاسبة جميع المسؤولين الإيرانيين الذين يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان وسوء المعاملة."، وکما هو معروف عن مجاهدي خلق، فإنها من النوع الذي إذا أمسکت برأس خيط في قضية ومسألة ما فإنها تمضي به حتى الاخير ومن حق النظام أن يخاف أکثر من أي وقت مضى لأنه يعلم جيدا بأنه اليوم ليس کالبارحة!