من خلال الوقائع التي تجري على الأرض في المناطق الكردية " شمال شرق سوريا " وحسب مُجريات الأحداث الأخيرة والمرتبطة بشكل أو بآخر بالانتخابات الامريكية القادمة، يتوضح المشهد أكثر فأكثر حول طبيعة وآلية الاتفاق المُعلن بتوقيع الإدارة الذاتية تحت قيادة قوات قسد عَقد مع شركة نفط امريكية،ليس كما يتصوره البعض بانها ستكون العصا السحرية التي ستحل العقبات الاقتصادية والأمنية التي لطالما اثقلت كاهل الشعب طوال السنوات التي مضت، او كما يتصور البعض الآخر على أنها موافقة ضمنية للاعتراف بإدارة الكرد وخصخصة الجغرافية، ولأسباب وجيهة أهمُها حَسب وحدة التحليل السياسي:

أولاً: الاتفاق المُعلن هو بين شركة تجارية وقيادة عسكرية، وليس بين وزارة النفط الامريكية والادارة الذاتية أو الجهة السياسية التي تُمثلها، وإن كانت شركة دلتا كريسنت إنيرجي الأمريكية عملاقة في مجال النفط إلا أنها مرتبطة ببنود القانون الدولي لمزاولة هذه المهنة بالنسبة لأعمالها خارج الولايات المتحدة الامريكية ولا تستطيع بيع برميل واحد إلى الخارج.

ثانياً: معظم حقول النفط هي متطورة بِخبرات وشركات كندية وبريطانية التي عَمِلت عليها قبل الثورة السورية، وهذه الحقول بحاجة فقط إلى مصافي تكرير، ولا ننسى إن إنشاء أية مصفاة تحتاج إلى مَعبر دولي لتصريف و تسويق الإنتاج، وكما هو معلوم لغاية تاريخهِ لا يمكن لأمريكا فتح ذاك المعبر، وإن أقصى حد تستطيع ان تُحول انتاج النفط إليه هو اقليم كردستان والذي أيضا لا يملك معبر للتصريف كون جغرافية الإقليم مرتبطة بإيران وتركيا، اي أن كل الطرق الخارجية مغلقة،لا سيما إن الطرق الداخلية ذات الشيء والبَحر والطُرق المؤدية إليهِ جميعها تحت سلطة موسكو في سوريا.
ثالثاً: إن كان كما يتم الترويج له إعلامياً على أن انتاج النفط سيكون محلياً أوعلى اعتباره صفقة تجارية تقوم بها إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب، مع العلم أن الإنتاج الحالي لتلك الحقول يتم تصفيته بِطرق بدائية وبسيطة،ومع ذلك لا يتحمل المواطن في الكثير من الاحيان دفع ثمن شراءه،فكيف إن تم استخراجه بمصفاة تم انشاءها بمئات الملايين من الدولارات، بالتأكيد ستكون السلعة غالية الثمن وبالتالي العودة لحقيقة كونها صفقة امريكية بامتياز مع نقطة إيجابية واحدة الا وهي التخفيف من التلوث الحاصل بسبب الاجهزة البدائية والتي ضرت كثيرا بأهالي المنطقة المتواجدين بالقرب منها.

لِتوضيح الأمور أكثر علينا أن نقرأ بتمعن الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية التي سببتها جانحة كوفيد ( 19 )،والتي أحرجت إدارة الرئيس ترامب الذي بات بحاجة ماسة إلى إيجاد بديل يُغطي نفقات ومصاريف قواعدهِ العسكرية وحلفائهِ في العراق وسوريا، أي بمعنى آخر كما يُقال بالعامية ( من دًهنوا اعطيه.. ).
خمس سنوات وأمريكا متواجدة في شمال شرق سوريا،لم تستطع من خلالها تأمين أبسط وسائل العيش الكريم،أو تحقيق أي إنجاز يذكر على صعيد الخدمات والمستلزمات والحاجيات الأساسية والضرورية للمواطنين المقيمين في مناطق نفوذها، بما فيها الأمن والأمان، رغم زعمها طوال كل تلك الأعوام على أنها شريكة هذا الشعب، بعكس ما وضحته الحقائق بأنها تدير ما تشاء ولا يوجد لديها شركاء، فمن غير المنطق أن يكون شركاء أكبر دولة عُظمى محرومين من أبسط الحقوق ويفتقدون الأمن والاستقرار، وما كانت محاولاتها في الفترة الأخيرة لطرح مبادرات وطنية سوى لتشتيت الرأي العام عن حقيقة الوضع وحرف انتباه عن حقيقية وطبيعة ما يجري من انشقاق وتفكك اجتماعي وسياسي، فالأطر السياسية والكيانات الحزبية والهيئات المدنية التي تقوم بالإشراف عليها لا تمثل سوى 10 بالمئة من الشعب المتواجد في المنطقة، وما شهدتهُ المنطقة من عمليات ارهابية وتفجيرات كان خير دليل على أن إدارة ترامب لا تهتم للمواطن السوري أياً كان انتماءه القومي أو الديني والمذهبي.

رغم كل الأحداث التي مَرت وما زالت مستمرة كانت الحقيقة واضحة تماماً،حيث الإنسان وحقوقهِ المشروعة في طي النسيان من قبل جميع القوى المتصارعة في الساحة السورية بما فيها النظام أو المعارضة.

كل ذلك يمكن لفئة من الشعب تغييرها وقَلب الموازين، لأن الغالبية الساحقة من الشعب الكردي والعربي هم حتى الآن خارج معظم هذه المعادلات ولا ينتميان لأي إطار حزبي أو سياسي، وحين يتم رَصهم بِصف واحد على مبدأ المساواة واحترام الآخر في الحقوق والواجبات فان كل المخططات المافياوية سيتم فشلها، والأمر مرهون بِتجمع وطني يستمر نحو تحقيق السلام والحرية وحقوق الانسان ويُنهي طريق الفساد والارتزاق الذي مارستهُ الكثير من الجهات الحزبية وبدعم اقليمي ودولي ومحلي، وهو ليس بِمستحيل إن وجدت الإرادة القوية والعمل الصادق نحو مستقبل مُشرق، معارضة داخلية سليمة تنتهج الحل السياسي بمصداقية ومهارة وتعمل للمساواة واحترام حقوق الانسان سَتوقف الحرب،لأنها ستكشف خفايا الأمور وتضع الجميع أمام الرأي العام العالمي كوسيلة ضاغطة لمنع تفرد القوي بالقرار والضغط نحو احلال السلام وتحقيق الأمن والاستقرار.

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية