يبدو لي أنه حان الوقت لأكتب عن تونسي لقّب نفسه ب"الكينغ" ليكون ظاهرة فيسبوكية خطيرة، مثيرة للإزعاج والإشمئزار بسبب أقواله وأفعاله...
**

أواخر الثمانينات من القرن الماضي، جاء إلى ميونيخ حيث كنت أقيم آنذاك، شاب نحيل، عصبي الحركات، زائغ النظرات كما لو أنه يعاني من اضطرابات نفسية...في لقائي الأول به في مقهى بشارع "الأتراك" بقلب ميونيخ، أعلمني أنه من القيروان، وأنه يود التعرف عليّ مباشرة كاتبا وانسانا. كما أعلمني أنه دَرَسَ المسرح في موسكو في فترة غورباتشيف، وأنه يودّ مواصلة "مغامرته الثقافية" في ألمانيا...
رحّبت به، وتواصلت لقاءاتنا في مقاهي لمدينة. وفي كل لقاء يطلعني على نص من نصوصه الجديدة. ولم أكن أبخل عليه بالنصيحة. بل وعدته بنشر البعض منها في جرائد عربية بعد أن أصلحتها، وخففت من افتعالها، وحذفت منها ما هو مبتذل وهزيل ومكرر...

لكن شيئا فشيئا، بدأت أبتعد عن هذا الشاب بسبب غياب الصدق عنده، وقلبه المفرط للحقائق، وكثرة اختلاقه للأكاذيب والأوهام ، ظانا أنني لست قادرا على تمييز الخطأ من الصواب، والصدق من الكذب...

مثلا: روى لي ثلاث سيناريوهات مختلفة عن وفاة والده:
في الأول: مات والده بالسكتة القلبية
في الثاني: دهسته شاحنة نقل في مدخل مدينة القيروان...

في الثالث: مات غرقا في شاطئ "بوجعفر" بمدينة سوسة...
كما روى لي ذات مساء بعد أن شرب بيرتين بإنه لما كان طالبا في موسكو، عشقته فتاتان في نفس الوقت: واحدة فلسطينية والأخرى سورية. فلما لم يستجب لهن، انتحرن في نفس اليوم.

الأولى رمت نفسها من الطابق الثالث في الساعة العاشرة صباحا...أما الثانية فألقت بنفسها من الطابق الخامس في الساعة الرابعة ظهرا..

ولكي أتيقّن أنه متقن للغة الروسية كما كان يباهي بذلك في كل لقاء يجمعني به، دعوته لشرب قهوة مع فنان روسي شاب كان يدرس آنذاك في أكاديمية الفنون الجميلة، فإذا به يتبخر في رمشة عين...

وكان من الطبيعي أن أبتعد عنه بعد أن أصبح يبالغ في افتعال مثل هذه الحكايات الوهمية...

فلما قطعت علاقتي به، شرع م يُشَهّرُ بي في نصوص هزيلة يبعث بها إلى جرائد تونسية...

غير أني لم أحفل بأمره، وتركته يواصل ألاعيبه وهذيانه المتواصل لأن وقتي الثمين لا يسمح لي بالرد على المهاترات خصوصا حين تكون صادرة عن أشخاص لا يرغبون في تطوير أنفسهم، وتعميق تجاربهم، بل هم يبتغون تبديد أوقاتهم في الإساءة إلى الآخرين، وتشويه سمعتهم إرضاء لأحاقدهم الدفينة، وعقدهم النفسية...

بعد أن عدت إلى تونس في الشطر الأخير من عام 2004، شرع في مهاجمتي بطرق شتى عبر الفيسبوك، ساعيا للحط من قيمتي انسانا وكاتبا. وفي البداية تركته يفعل ما يشاء وما يريد في العالم الافتراضي، لكن لما تجاوز الخطوط الحمراء، وبدأ يغرس خناجره المسمومة في اللحم الحيّ، طلبت من صديقي المحامي كوستنتين فيغنر أن يرفع ضده قضية ففعل. عندئذ تراجع عن هجوماته ضدي، محاولا أن يستعيد علاقته معي إلاّ أنني رفضت ذلك رفضا قاطعا خصوصا بعد أن اتضح لي أن عقده النفسية ازدادت استفحالا، وأن جنون العظمة عنده تضخّم بشكل مخيف، وأن غربته حولته إلى كائن لا يطاق...

وسعيا منه لمعالجة أزماته النفسية التي كانت تتفاقم يوما بعد آخر، شرع هذا "الكينغ" في افتعال البطولات بشكل يتلاءم مع خياله المريض...

فقد زعم ذات مرة على صفحته أنه نال جائزة أدبية كبيرة من الصين تقديرا لمجمل أعماله، والحال أن هذه الأعمال لا تتجاوز بضعة نصوص يعيد نشرها هنا وهناك بعد أن يغير عناوينها...كما سمح لنفسه بالتحقير من شأن الروائي الكبير نجيب محفوظ، مهاجما العديد من الكتاب التونسيين والعرب باعتبارهم "أقزاما" أمامه...

وفي واحد من نصوصه، طلب من الألمان أن يعترفوا به لأن موهبته الإبداعية تفوق موهبة شاعرهم العظيم غوته...

ودفعه غروره إلى الادعاء بأنه حصل على العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعات مرموقة، والحال أنه لم يصدر إلى أي حد هذه الساعة أي كتاب ملفت للانتباه، بل يقتصر دائما على إعادة نشر نفس النصوص التي كتبها قبل ثلاثين أو عشرين عاما... كما أنه يعيش في ميونيخ على المساعدات الاجتماعية...وعلى مدى العقود الطويلة التي أمضاها في هذه المدينة وحتى سنة تقاعده، اقتصر على القيام بأعمال صغيرة مثل الحراسة الليلية في فنادق متوسطة، أو نقل البضائع بين الأحياء...

وراكبا حصان أوهامه، افتعل بطولات كثيرة أخرى يعرفها جيدا من يتابعون صفحته على الفيسبوك...

وقد لاحظت أن هذا "الكينغ" يشن هجومات حادة ضدي كلما أصدرت كتابا جديدا، أو نلت جائزة أدبية، أو ظهرت في برنامج تلفزيوني تونسي، أو عربي، أو أجنبي...وهذا ما حدث في نهاية السنة الماضية... فقد دعاني الصديق الروائي والشاعر المغربي ياسين عدنان الى القاهرة ليجري معي حوارا ضمن برنامجه الرفيع "بيت ياسين". وفي الحين هاج هذا الكينغ، وماج... ومستنفرا أحقاده الدفينة، وعقده النفسية، وعدوانيته البدائية، راح يقذفني بأقبح النعوت، منتقدا ياسين عدنان بحدة بسبب دعوته لي... وفي الحين طلبت من صديقي المحامي كوستنتين فيغنر أن يفتح ملف هذا "الكينغ" من جديد... لكن بعد أيام قليلة كتب اعتذارا على صفحته، مضيفا له نصا في مدحي ك" كاتب مرموق"...
مع ذلك ظللت حذرا منه... لذا حرصت على ابقائه بعيدا عني، قاطعا كل السبل التي تسمح له بالاتصال بي هاتفيا، أو بواسطة الفيسبوك، أو البريد الإلكتروني.

وفي هذا الصيف، جاء هذا "الكينغ" إلى تونس ليقدم مرة أخرى مجموعة قصصية كان قد نشرها السنة الماضية... ومُتجاهلا الأوضاع المأساوية التي يعيشها جل التونسيين راهنا، أخذ يطوف بين المدن، راغبا في أن يكون تقديم مجموعته القصصية الحدث الأول في البلاد، بل "الحدث العالمي" بحسب لافتة علقها في القيروان...
وفي الليلة الفاصلة بين 24و 25، جويلية، كنت أحتفي بنيل ابن أخي شاهدة الهندسة بحضور أحد الأصدقاء... وفي لحظة ما، رنّ الهاتف...وكان الرقم مجهولا... حالما فتحته، انهال عليّ هذا "الكينغ" بالسب والشتم، مهددا بالقدوم إلى الحمامات ليفعل بي كذا وكذا... وفي اليوم التالي، قرصن صفحتي، وشرع يتكلم باسمي مدعيا أني كاتبته راجيا منه المساعدة لأني "أعيش ضائقة مادية"... وأنني طلبت منه ذلك وأنا في الجزائر. مع فتيات .. والحال أني لم أزر الجزائر منذ 2008....

بعد كل هذه المصائب التي ابتليت بها جراء هذا "الكينغ"، أود أن أقول له بإني أشفق عليه لأنه لم يستفد من غربته، بل باتت بالنسبة إليه مصدرا لعقد وامراض نفسية خطيرة ما أظن انه سيبرأ منها بعد أن تجاوز سن الستين...

وأضيف أنه مخطئ إن هو اعتقد أن السعي للحط من قيمة الآخرين بطرق مشينة، وباختلاق الأكاذيب وتلفيق التهم الزائفة ضدهم، وكل هذا يمكن ان يضمن له مكانة أدبية ...مخطئ لأن من يلجؤون إلى مثل هذه الأفعال الدنيئة هم في الحقيقة يفعلون ذلك للتغطية على فشلهم في الحياة، وفي الكتابة، ولإخفاء عقدهم وأمراضهم النفسية و التي تزداد استفحالا مع تقدمهم في السن...

وفي النهاية أقول له بإن الأدب محبة أو لا يكون
الأدب صداقة أو لا يكون
أما الأدب القائم على الدس والغش والتمويه فمجرد فقاعة سرعان ما يختفي ويذوب.