العملية الارهابية التي کان في النية تنفيذها ضد التجمع السنوي للمقاومة الايرانية في باريس عام 2018، والذي ضم عشرات الالاف من الحضور والتي تم الکشف عنها وإلقي القبض على من کانوا ينوون تنفيذها وعقلها المدبر وقائدها أسدالله أسدي، السکرتير الثالث في السفارة الايرانية في النمسا أو کما يوصف حاليا ب"الديبلوماسي الارهابي)، هذه العملية لايمکن إعتبارها نشاطا إعتياديا وعابرا للنظام الايراني ضد منظمة مجاهدي خلق بل إنها بمثابة منعطف في عملية الصراع والمواجهة الجارية بين الطرفين على مر العقود الاربعة الماضية، ذلك إن النظام الايراني وبعد سلسلة من عملياته ونشاطاته الارهابية خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات في بلدان الاتحاد الاوربي ضد شخصيات سياسية معارضة والتي دلت التحقيقات على تورط النظام الايراني بها، فقد تعهد النظام الايراني مقابل إلتزام صمت أوربي تجاهه بعدم القيام بأي نشاط أو عملية إرهابية في أوربا، وبالفعل فقد إلتزم النظام بتعهده هذا الى عام 2018، حيث نقضه بالعملية الارهابية التي أشرنا لها في بداية المقال.

قبل الحديث عن هذه العملية ودلالاتها وتأثيراتها المستقبلية على النظام الايرانية، من المهم والمفيد وحتى الضروري التعرف على شئ من ماضيه، إذ وبعد أن کان من المشارکين في الحرب الدائرة مع العراق کما تشير وسائل الاعلام الايرانية لذلك، وخدمته في الاجهزة الامنية للنظام، فإنه وخلال الفترة من العام 2004 الى 2008، کان السکرتير الثالث للسفارة الايرانية في العراق وبعد أن لبث في إيران لستة أعوام، لکنه عاد للعراق بصفة غير رسمية وقد کان بقائه في العراق لأهداف تتعلق بسکان أشرف وليبرتي ولاسيما بعد أن أصبح خبيرا في التعامل والتصدي لهم، وهنا يجب أن لاننسى بأنه وخلال فترة تواجده في العراق جرت مجزرتي 8 نيسان2011، والاول من أيلول2013، التي قتل فيها العشرات من المعارضين الايرانيين. وفي عام 2014، يتم نقله الى السفارة الايرانية في النمسا ويصبح سکرتيرا ثالثا في السفارة هناك، وهذا يعني إنه وبعد أن تم إعداده بالصورة المطلوبة ضد المعارضين النشيطين بوجه النظام من مجاهدي خلق فقد تم إرساله في مهمته الجديدة والتي لم تکن أبدا بمعزل عن التوسع غير العادي في نشاطات مجاهدي خلق ضد النظام في بلدان أوربا ووصولها الى درجة لم يعد بوسع النظام إلتزام الصمت حيالها.
الحديث عن العملية الارهابية التي کان أسدي يقودها، لايمکن أبدا عزلها عن إنتفاضة 28 ديسمبر2017، والتي خرج المرشد الاعلى للنظام وبعد أسبوعين من إلتزام الصمت ليتهم منظمة مجاهدي خلق بإنها وراء تلك الانتفاضة بل وإنه قد تم توعد المنظمة برد على دورها هذا عندما تعهد بالاقتصاص منهم، والذي يلفت النظر، إن أسد الله أسدي وبموجب المعلومات الموثقة، قد ذهب الى طهران وإستلم متفجرات نقلها في حقيبته الديبلوماسية بواسطة طائرة نمساوية من إيران الى النمسا تقل 240 فردا، وقام بتسليم هذه المتفجرات الى منفذي العملية والذي يلفت النظر أکثر، هو إن هذه العملية الارهابية لو قدر لها النجاح وتم تنفيذها فعلا، فإن النظام الايراني کان سيتهم مجاهدي خلق بأنها قد قامت بهذه العملية الارهابية من أجل تشويه صورة النظام وکسب التإييد الدولي لجانبها، وهذا ليس بغريب إطلاقا على النظام الايراني ولاسيما لو أعدنا الى الذاکرة کيف إن النظام برر مجزرة الاول من أيلول 2013، بحق سکان أشرف حيث إنه زعم بأنها کانت من نتيجة خلاف نشب بينهم فقتلوا بعضهم البعض! والاهم من ذلك إن وفي تلك الفترة کان مخططا لزيارة يقوم بها روحاني بمعية ظريف الى النمسا ومن بعدها سويسرا، وبالطبع لو کان قد قدر لتلك العملية الارهابية النجاح فإنه ومن دون شك کان سيکون هناك في جعبة روحاني وظريف مايقولانه ويصرحان به وخصوصا إن تلك العملية کانت تعني أن المعارضة الرئيسية ضدهم قد إنتهى أمرها!

بعيدا عن کل شئ، ولکي نکون منصفين فإن قيام دول العالم بنشاطات تجسسية من خلال الدبلوماسيين أمر وارد وحتى شائع، غير إن القيام بعملية إرهابية أمر غير وارد ولم تبادر به أية دولة سوى النظام الايراني وإن الشروع بمحاکمة أسدي ومجموعته في النمسا خلال الفترة الماضية وبعد فشل معظم المحاولات التي بذلتها طهران من أجل إدترجاع أسدي أو إبرام أية صفقة، يعني بأن النظام الايراني قد بدأ ولأول مرة يواجه عاقبة أعماله بعد أن تمکن من الخلاص بجلده من عواقب الکثير من نشاطاته السابقة في فينا وجنيف وبرلين وروما وقائمة طويلة، والذي يجب أن نلاحظه هنا هو إن هذه المحاکمة مهما تکون نتائجها فإنها سوف تصبح بمثابة تأريخ في سجل هذا النظام کما إنها ستفتح أيضا أبوابا أخرى بوجه النظام الايراني خصوصا وإن لهذا النظام خصوم کثر وإن المصالح الدولية والاقليمية قد تجد نفسها أمام مناخات ملائمة أکثر للإتفاق على"الثور الابيض" الذي من الواضح إن حالته تتجه نحو حالة الميٶوس منه، والانکى من ذلك إن الجولة القادمة من محاکمة أسدي وبعد أن أحالت لجنة من ثلاثة قضاة قضية أسدي وشرکائه المسجونين إلى فرع أنتويرب الخاص لمكافحة الإرهاب، سيکون في 27/تشرين الثاني/2020، ستکون متزامنة مع مايجري على قدم وساق من أجل تدويل مجزرة عام 1988، بعد الموقف الرسمي الامريکي الاخير الذي أعلنته المتحدثة بإسم وزارة الخارجية والذي يتفق مع رٶية ووجهة نظر مجاهدي خلق ويخالف وجهة النظر المعلنة من جانب النظام الايراني، ولذلك فإن الاشهر القادمة من شأنها أن تحفل بمفاجئات أخرى ضد هذا النظام وحتى أن نسمع ونشهد تطورات غير منتظرة ومتوقعة بالمرة ومن هنا وبعد الاحداث والتطورات الجارية في عملية الصراع والمواجهة القائمة بين النظام الايراني وبين منظمة مجاهدي خلق والتي وصلت في محصلتها النهائية الى المنعطف الحالي والذي يتزامن مع أزمة خانقة عامة يواجه النظام على کافة الاصعدة ولايجد سبيلا للفکاك منها بعد أن إحترقت کل أوراقه وإستنفذ أهم خياراته، فقد يلجأ هذا النظام ومن أجل الخلاص من ورطته الى أية مغامرة أو مجازفة کي يخرج سالما من هذا المنعطف ولکن، ليس هناك من طريق سوى طريق "علي وعلى أعدائي"، والذي سيکون کالطعنة القاتلة لعمر أبن جرموز"قاتل الزبير" لنفسه بعد أن قال له علي أبن أبي طالب إن النبي"ص" أخبره بأن قاتل الزبير في النار.