لا شك أن المناطق الجبلية في إقليم التيرول في النمسا، هي من الأماكن المحببة لعشاق الطبيعة، وهي من أكثر المناطق التي يلجأ إليها السياح في فصل الصيف، وبما أن الأوربيين يتناغمون مع الطبيعة الجبلية الخلابة التي فرضتها الطبيعة في أماكن سكناهم ، فإنهم بحق استطاعوا توظيف ذلك بشكل جيدـ فقد أقاموا المنتجعات السياحية الجميلة ذات الشهرة العالمية، وربطوها بشبكة مواصلات سليمه ومتينة ، ووصلوا إلى قمم الجبال، وسهلوا وشجعوا على الرياضة الجبلية طول السنة، رياضة التزحلق علي الجليد في الشتاء، ورياضة المشي في الصيف.

اخترنا منتجع وادي بيتزتال Pitztal في إقليم التيرول في شمال النمسا ، وفقا لبرنامج وكالة kunz التي قدمت برنامجا رائعا لرحلة لمدة 3 أيام تضمن رؤية كل الأشياء المهمة في الوادي الخلاب.

يقع المنتجع في عمق الوادي الممتد مسافة 40 كيلومتر في سانكت ليوناردو، وهو في منطقة رئيسية تتيح لك الوصول إلى كل النقاط المهمة والطبيعية في تلك المنطقة الجميلة، وفي فندق الإقامة في قرية شتيل باخ كان المنظر رائعا فهو لايبعد عن شلال Gletscherexpress الهادر أكثر من دقائق، ولا يبعد عن بحيرة Rifflsee أكثر من 700 متر، إن أقرب مطار للمنطقة هو مطار مدينة انسبروك حيث يقع على بعد 49 كم .

إذا يمكن السفر بالقطار من ميونيخ في ألمانيا إلى انسبروك في النمسا بكل سهولة، والقطار يقطع المسافة في ساعتين لا أكثر، كما يمكنك السفر أيضا بالسيارة في مسافة وجيزة، لكن السفر بالقطار متعة كبيرة خاصة عندما يمر في مناطق غنية بالطبيعة الجميلة، كان علينا تغيير القطار في انسبروك وأخذ القطار المتجه إلى محطة IMST وتستغرق الرحلة الساعة أيضا، ومن هناك نأخذ الأتوبيس إلى الفندق وهذا يستغرق حوالي الساعة أيضا.

مكان الإقامة في الفندق هو جنة الله في أرضه، الفندق في قرية صغيرة يمكن أن نعد منازلها على أصابع اليد الواحدة، مشهد الشلال المائي الذي ينساب من قمة الجبل مخلفا صوتا في الفضاء يزيل هموم النفس، ويريح الأعصاب المتوترة خاصة في الليل عندما تضئ الأنوار الصناعية هذا الشلال، فنسمع الصوت ونتأمل انعكس الضوء على الماء المتدفق.

لم أطق صبرا فقد كنت أتوق شوقا لرؤية بحيرة ريفلزي وهي أعلى بحيرة جبلية في النمسا وأوربا، فهي تقع على ارتفاع 2232 متر بين قمم جبال الألب في منطقة تسمي ماندارفن يمكن الوصول إليها من مدينة أزمت القريبة من انسبروك بالأتوبيس، وتأخذ مسافة الساعة والنصف حيث يقطع الأتوبيس الوادي من بدايته إلى قرب نهايته مارا بالقرى والمنتجعات المترامية على أطرافه.

تبلغ مساحة البحيرة واحد كيلومتر طولا و 400 متر عرضا، وهذه البحيرة ذات مياه صافية للغاية، وتبحر فيها ما يطلق عليها Flossfahrt وهي عبارة عن سيقان أشجار ضخمة للغاية وتتراص بجوار بعضها بعضا، وتطفو على سطح البحيرة، تأخذ الجولة على سطحها 45 دقيقة ويبلغ طولها 15 مترا وعرضها 10 أمتار ، يمكنك أن تلقي جسدك المنهك من رياضة المشي علي كرسي مريح، أو تجلس على كنبة، ويمكنك كذلك أن تستمع إلى شرح الكابتن وأنت تتأمل قمم الجبال المحيطة بالمكان.

تقوم بجولتين في اليوم الواحد في في التاسعة والنصف صباحا والواحدة والنصف بعد الظهر، وتسمح الرحلة الواحدة لستين فردا، ويبلغ ثمن التذكرة 12ونصف يورو، وهي بالتأكيد نزهة جميلة تستحق القيام بها دون تفكير.

لا شك أن الوصول للبحيرة يبدأ من نقطة انطلاق مثالية تقع في قرية Mandarin في وادي Pitfall الخلفي على ارتفاع 1،682 مترًا ، حيث يمكنك ترك سيارتك في منطقة وقوف السيارات، أو أن تصلها بالأتوبيس كما فعلت أنا. عندئذ تصعد إلى الجندول الجبلي المريح Rifflseebahn الذي يتسع لـ 6 أشخاص بسهولة إلى 2300 متر فوق مستوى سطح البحر حيث البحيرة ذات المياه الرقراقة.

في 26 يونيو من كل عام يفتح الجندول أو المصعد الإلكتروني أبوابه لنقل الناس إلى قمة ريفلزي ويمكنك أن تصعد أكثر من مرة إلى البحيرة ليس هذا فقط بل يمكن للسائح أيضا ممارسة رياضة المشي مرة أخرى حول البحيرة، وقد ترى الأبقار وهي ترعى في سكون وهدوء على شواطئها في منظر خلاب جميل.

بالتأكيد وبعد الإرهاق والتعب يمكن تناول وجبة في محطة الجندول الجبلي العلوية المسماة Sunna Alm والذي يمكن من خلاله تذوق طعام من إقليم التيرول والتمتع برؤية بانورامية من نوع خاص للمكان، وهو مجهز بتكنولوجيا الطاقة الشمسية ونظام التدفئة الحرارية الأرضية.

وبعد انتهاء الرحلة نعود في مساء اليوم إلى الفندق سيرا على الاقدام في رحلة تستغرق 3 ساعات على نهر شتيل باخ حيث التكوينات الصخرية الغريبة وشلالات المياه المتدفقة من كل صوب من أعلى القمم من الجانبين حيث تصب في النهر، وطول الطريق لاتستمع إلا إلى صوت المياه المتدفق فالجو حار والسماء صافية وثلوج القمم تذوب بفعل الحرارة وتنساب المياه بهذا الشكل المتدفق الرائع.

تنتشر في المنطقة فنادق البيو Bio وهي فنادق تقوم على تقديم خدمات صحية راقية بعيدة عن كل الملوثات، فالطعام والمفروشات وموبيليا الفندق كلها منتقاة من مواد صحية لا تسبب أي أذى للإنسان، أنك تحس بالراحة التامة في أجواء صديقة وودودة في فنادق ذلك المنتجع كما أن كل النزلاء تقريبا من محبي رياضة المشي في الجبال، أنها رياضة صيفية رائجة في تلك الطبيعة الجميلة التي تشكلت بشكل يشعرك بالسعادة والبهجة.


لابد من ممارسة رياضة المشي فالرحلة بدونها لا شيء ، في ذلك الصباح المشرق النادر في الوادي كان كل شيء مناسب للقيام بهذه الرحلة، فالجو حار والشمس مشرقة.
بدأنا رحلة الصعود في الساعة الثامنة صباحا بعد تناول وجبة الفطور وهي تستلزم حذاء من نوع معين يساعدك في الثبات في المنحدرات أو المساعدة في الصعود، لكن لأول مرة اكتشف أن عصاية المشي التي تأخذها معك تساعد كثير في الصعود والنزول.

اذن انطلقنا من نقطة محددة هي بلوموس صعودا إلى ارزيلر على ارتفاع 1900 ومنها الانعطاف إلى تيفينتال على ارتفاع 1880 متر، وكأي صعود يستلزم الطاقة والإجهاد وبعد 3 ساعات كاملة تخللتها راحات متقطعة وصلنا إلى نقطة الصعود الأولي وهي ارزيلر وهي عبارة عن كوخ خشبي يقيم فيه عائلة ريفية، وبه مطعم واستراحة ويقدم خدماته من مأكولات ومشروبات يحتاجهها الفرد في هذه الرحلة الجبلية، ويصف مرافق الرحلة أن الافضل هو كوب لبن رايب لآنه يساعد في استرخاء العضلات المتشنجه من المشي.

نواصل الرحلة إلى النقطة الاخيرة في تيفينتال في تمام الساعة 11 وعلي طريق صخري رابط بين الكوخين نصلها بعد ساعة ونصف، كان الجو مازال رائعا والشمس مشرقة والطبيعة الجبلية الصامتة توقظ في النفس ملكة التأمل في صنع الخالق.

شلالات المياه الهادرة الآتية من قمم الجبال تنساب في كل مكان، بيئة طبيعية نقية للغاية بعيدا عن ملوثات البشر والأمراض التي يتسببون فيه وآخرها الكورونا، هنا تشعر بالسلام النفسي وتشعر بالبعد عن كل المآسي التي يسببها البشر، إن سماع صوت طيورالجبل أو رؤية الحيوانات الجبلية تشعرك بأنك في مملكة سلم وآمان، إنهم يقولون إن رياضة المشي في الجبال هي رياضة لشفاء الروح من منغصات الحياة.

كنا نقابل في الجبال افراد صامتين يجهدون أنفسهم وهم يحاولون الوصول إلى النقط التي حددوها في الجبال .

على ضفاف نهر شتيل باخ كان هناك معرضا مفتوحا لفنانين تشكيليين قاموا بنحت فنهم في الصخور المترامية في كل مكان، ومن ثم تركوا أعمالهم في الفضاء المفتوح بشكل يعكس الثقافة الألبية المتأثرة جدا بالطبيعة الموجودة عندهم.