وقعت الإمارات العربية المتحدة إحدى أبرز دول الخليج والعالم العربي، ثَرَاءٍ وتطورٌ تقني، واستقطاباً للرأس المال العالمي والتجارة الدولية، وإحدى أبرز وجهات العالم الاقتصادي ضمن الجغرافية العربية، وقعت اتفاقية لفتح العلاقات الرسمية بينها وبين إسرائيل، يُنهي بموجبه حالة القطيعة، والتي لم تشهد أيَّ توترات أو عداء بالمعنى التقليدي بينهما، وبل يرسخ هذا الاتفاق حالة التعاون الكامل بينهما. هكذا باختصار جنحت أبو ظبي صوب خيار السلم والعلاقات، وفضلتها على الحرب والعداء، وهي الغير متجاورة مع تل أبيب، وليس بينهما من المشاكل الحدودية أو الجغرافية المباشرة، كأي دولة تسعى صوب المزيد من التقدم المعرفي والتقني والتطور العلمي والمالي، وتفضله على الحرب والتوترات وغياب الاستقرار، حين يتعلق الأمر بأمنها القومي والرقمي والمالي.

إذ تستشعر الإمارات الخطر الوجودي المحدق بها، من مشاريع الإسلام السياسي الإقليمي، جراء التغلغل التركي في العالم العربي، بدأً من الشمال السوري وإلى لبنان وانتهاء في ليبيا. عدا عن خوفها من التمدد الإيراني في سوريا ولبنان واليمن والعراق ومحاولاتها الحثيثة في البحرين وعلاقاتها مع سلطنة عمان.

بات واضحاً أن الربيع العربي سينتهي بتقسيمات جغرافية جديدة، ولن تطال دولها فحسب، بل رُبما تتمدد إلى حيث ترغب بها أمريكا وإسرائيل، وما الموقف الإماراتي الأخير سوى حلقة وركيزة أساسية في مسلسل حماية وجودها وكيانها، ورُبما تجد لنفسها الحق بذلك، خاصة وأنها تقول أن لا وصاية إقليمية أو محلية عليها، فقط تجد أن شعبها ومصلحتها هي الأجدى. وهي التي قررت أن المواجهة العسكرية أو السياسية العدائية مع إسرائيل لن تجدي نفعاً، خاصة وأن السلطة الفلسطينية تستمر في خسارة المزيد من الأراضي، وحماس تجد في جارة الأمارات، قطر، خير حليفاً وسند، هذه المخاطر دفعت أبو ظبي لتحمل كل الضغوطات العربية الرسمية والشعبية والإعلامية، في سبيل حماية نفسها، واختارت حيث القوة والقرار الدولي على حساب أيَّ شيءً أخر.

لا تحتاج الأمارات إلى مساعدات طبية، مالية اقتصادية، وبل أنها على وفاق وعقود اقتصادية مع أمهات الدول الرأسمالية العالمية، وهذا الاتفاق سيعزز من
مكانتها الاقتصادية في العالم كله. لكنها فتحت الباب على مصراعيه، ولن يغلق قبل أن تلحق بها دولاً عربية أخرى، تجد في الصداقة والعلاقات مع إسرائيل خيراً لها ولاقتصادها، وبالدرجة الأساس للحفاظ على سلطتها ونظامها، حيث كان السيسي أول المهنئين والمباركين لهذا الاتفاق، السيسي وما تمثله مصر من رمزية قوية في العالم العربي.

أمام هذه اللوحة والتوقع ببداية فرط حبات المسبحة العربية، والتسارع لطلب العلاقات مع تل أبيب، ثمة استحضارا للتاريخ الكُردي في سوريا والعراق. فلا تزال الصورة النمطية لدى المخيلة والذهنية العربية متقدة حول عمالة وعلاقة الكُرد بإسرائيل. فعلى طول التاريخ الكُردي في سوريا، وخاصة منذ فترة الانقلابات واتهام حسني الزعيم ومحسن البرازي بالتآمر مع تل أبيب ضد الأمة العربية. حيث التهمة تُعاد وتتكرر وتشتر دون سند أو دليل. وعلى اعتبار أن الكرد في سوريا لا زالوا كسائر السوريين تائهين، وصعوبة أخذ مسار سياسي خاص بهم خارج إطار التوافق الوطني والجمعي، ولهم حدود جغرافية مباشرة عبر الجولان مع إسرائيل، فإنهم –كُرد سوريا- محكومين بالتوافق والقرار السوري العام في قضية التعاطي أو عدمه مع أي جهة أو دولة. بيد أن التاريخ الكُردي في كُردستان العراق منذ العهد الملكي وحتى أيامنا هذه، مليء بمحاولات الاتهام بالخيانة والعمال والتآمر مع تل أبيب على "الأمة العربية"، قابل تلك التهم تحول العراق إلى محافظة إيرانية، وغالبية رؤساء الوزراء العراقيين ليسوا سوى استطالات إيرانية، وما سقوط الموصل بيد داعش سوى عقوبة للعراقيين نتيجة حصارهم السياسي لنوري المالكي الذي أمر بانسحاب القوات العراقية تاركاً السلاح النوعي هدية لداعش، وكعقوبة ورغبة إيرانية في إجهاض العراق ومنعه من أي استقرار.

اليوم تعيش كردستان العراق أسوء أيامها مالياً وعلى مستوى العلاقات مع المركز، ويتعرض الإقليم إلى سلسلة ضربات سياسية واقتصادية، ولو تمكن المركز من توجيه الطائرات ضد العمق المدني والسلمي في الإقليم ما أنتظر للحظة. والعمق الرئيسي في ذلك، لا يخرج عن رغبة الطبقة السياسية الحاكمة في العراق من إعادة كُردستان إلى الحدود في التسعينيات من القرن الماضي. إذ لا رواتب لموظفي الإقليم، ولا انفتاح ولا قبول للعراقيين بأي صيغة حلاً تتقدم بها كردستان.

يتساءل الكُردي في قرار نفسه ماذا لو فكر الإقليم بفتح علاقات اقتصادية مع إسرائيل، كيف سيكون الموقف العربي من الكُرد. خاصة وأن –شرائح عراقية مسئولة- سارعت قبل أشهر لزيارة تل أبيب وفتح قنوات للتواصل معها، وحولت العراق من دولة عربية إلى محافظة فارسية، كما فعلت شريحة عريضة من العرب في سوريا، حيث تتريك الشمال الغربي لسوريا، حيث العلم والعملة والبريد والمنهاج المدرسية، كرموز للسيادة الوطنية، كُلها تركيا. هل سيتم إعادة أسطوانة العمالة عينها، وليس بخافٍ أن الهدف ليس سوى إبقاء الكُردي تحت سياط بغداد.

وبعد زيادة الدول العربية في التطبيع مع تل أبيب، وإلحاق العراق بمحافظات إيران، أو جعل غرب الفرات في سوريا كولاية تركيا. هل بات يحق لإقليم كُردستان الذي لا يرتبط بأيَّ حدود مباشرة مع تل أبيب، هل يجوز له التفكير بأي نوع من أنواع العلاقات مع إسرائيل، أسوىً بالعرب وعلاقاتهم مع تركيا، إيران، إسرائيل. أم أن الحمية الوطنية والغيرة القومية العربية لا تتفتق سوى ضد الوجود الكُردي وحقوقه.