بعد نكبة فلسطين واعلان قيام دولة اسرائيل ومعارضة العرب لها وخوضهم حروبا ضدها وخسارتهم الحرب تلو الاخرى كان هناك من رأى ان اسرائيل باقية وتتجذر في المنطقة وحينها اقترح الحبيب بورقيبة التونسي الصلح مع اليهود على اساس دولتين فخونه العرب جميعا.

بعد نكسة 67 وحرب الاستنزاف ونصر اكتوبر المعنوي عام 73 تغير شيئا ما لدى العرب فلا استطاعوا تحرير اراضيهم المحتلة من قبل اسرائيل في الجولان وسيناء واجزاء من الاردن ولا استطاعوا تحرير فلسطبن او حتى ضمان حياة كريمة لهؤلاء في اراضيهم في الضفة الغربية وفي غزة.

في تلك الحقبة انتقلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من بلد عربي الى اخر بعد حرق كل حبال الوصل مع الدول المضيفة مثل الاردن وواقعة ايلول الاسود حيث حاول عرفات حينها الانقلاب على الملك الاردني حسين بن طلال، الى احداث تل الزعتر في سوريا الى ان استقرت منظمة تحرير فلسطين في لبنان وسريعا ما سيطرت على محاور البلد متعدد الطوائف مشعلة حربا اهلية من جهة واجتياحات اسرائيليات من جهة اخرى انتهت بحرب لبنان الاولى عام 82 اذ احتلت اسرائيل بيروت ومن ثم ظلت في لبنان حتى العام 2000 تم خلال تلك الفترة ترحيل المنظمة الى تونس والبقاء فيها حتى توقيع اتفاق اوسلو مع اسرائيل عام 1994.

في كل هذه الفترة الطويلة والممتدة من العام 48 وحتى العام 77 ظلت لاءات العرب تلعلع في سماء الدول وتشعل مخيلات الشباب والمطربين وكتبت الكلمات وعزفت الالحان وغنى العرب اهازيج " ارض العروبة للعرب صهيوني حمل وارحلي" لكن من رحل كان العرب والفلسطينيين. ورصدت الدول العربية مليارات بل يمكن القول تريليونات الدولارات من اجل القضية ودفعت تلك الدول ثمنا باهظا وويل لدولة كانت تنظر ولو باستحياء الى "الكيان الغاصب" فقد كانت جوقة الممانعة والمقاطعة تجلد ذلك البلد وتتهمه بخيانة قضية الامة.

انور السادات، الرئيس المصري الذي دفع حياته ثمنا للسلام مع اسرائيل، كان الاول الذي اقتنع بضرورة الاعتراف باسرائيل من جهة وضمان حقوق الفلسطينيين من جهة اخرى فيما سمي انذاك "الحكم الذاتي" في اتفاق كامب ديفيد، هذا القائد العربي كان قويا الى حد المجازفة واختراق الحدود العربية وثوابت اللاءات وزار تل ابيب وتحدث من على منصة البرلمان ( الكنيست) وصنع سلاما حصل بموجبه على كامل ارضه بدون طلقة واحدة بعد خسارات وهزائم مدوية متتالية.

بعد سلام السادات والذي وصفه غالبية العرب حينها بالخيانة كان الكثير من زعماء الامة يبحثون امور الحل العادل وتبلورت المبادرة العربية من افكار طرحها الملك السعوي فهد ابن عبد العزيز بعد مشاورات مع قادة منظمة التحرير عندما كان اميرا ووليا للعهد ومن ثم تبناها الملك عبد الله ابن عبد العزيز وتم اقرارها في مؤتمر بيروت للجامعة العربية عام 2002 . وتتحدث المبادرة عن اخلال سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين على اساس دولتين بحدود 67 وعاصمته القدس الشرقية وحل عادل لقضية اللاجئين وتبادل اراضي هنا وهناك بسب معينة.

خلال الاعوام التي تلت اتفاق سلام مصر اسرائيل تبدلت مواقف في عواصم مختلفة جراء ظروف سياسية واقليمية وضغوط غربية وعربية ووصل الفلسطينيين الى قناعة حل الدولتين وبدأوا مفاوضات سرية مع الاسرائيليين منذ اواخر الثمانينات الى ان تبلور اتفاق اوسلو حيث دخل عرفات الى غزة واريحا ومن ثم باقي مدن الضفة الغربية واستمر النقاش والتفاوض حول اقامة دولة فلسطينين الى جانب اسرائيل وبعدها وقع الملك حسين بن طلال اتفاق عربة للسلام مع اسرائيل وافتتحت عدد من الدول العربية مكاتب اتصال في تل ابيب منها المغرب وعمان وقطر وتونس وغيرها من الدول الاسلامية .

هذه الاجواء استمرت للعام الفين حين تفجرت انتفاضة الاقصى بقيادة الراحل ياسر عرفات والذي حاز حائزة نوبل للسلام مع بنسختك رابين وشمعون بيرس، لتقطع احلام السلام والحلول الى سنوات طويلة وسط محاولات حل هنا واتفاق هناك رفضها الفلسطينيون من كامب دافيد مع ايهود باراك الى تفاهمات عباس اولمرت وما بينهما من مبادرات لحل الدولتين ولم تكن اسرائيل الحمل الوديع انما ساهم حكم اليمين المتطرف فيها في حمل الفلسطينيين رفض الحلول، وعادوا الى لاءات جديدة ثم انقسام داخلي بين الفصائل الرئيسية فتح وحماس وتشكيل دولة لحماس الاخونجية في غزة ودويلة فتح العلمانية في الضفة الغربية.

تصرفات الفلسطينيين وانقسامهم وتضييعهم الفرصة تلو الفرصة واستمرار خوضهم في خلافات داخل الدول العربية وارغام العرب دعمهم وتحويل الاموال اليهم لتهدر وتصرف في غير محلها ان لم نقل لتذهب الى جيوب وحسابات الفاسدين واعوانهم، ونقمتهم على كل العرب، ادت بهم الى وضعهم الحالي حيث توقفت غالبية الدول العربية عن تحويل الاموال لسلطة رام الله والتي تعاني وضعا اقتصاديا مزريا الى جانب عبء جائحة كورونا وتجهوا الى استجداء الاموال من قطر وتركيا وايران وفنزويلا وغيرها من الدول وكأنهم في كوكب اخر غير مكترثين بالتغييرات العالمية وصراع الاقطاب الاقتصادي وبروز دور دول النفط والغاز والثروات في المحافل الدولية اقوى مما كان سابقا، مما جعل تلك الدول تلتفت الى مصالحها القومية والتمسك بمستقبل مواطنيها وعدم تقديم انفسهم قرابين على مائدة الممانعة والمقاطعة.

الامارات العربية المتحدة والبحرين اعلنتا الاتفاق مع اسرائيل وتطبيع كامل واعتراف بالدولة الاسرائيلية الى جانب فلسطين وعمان تحذو حذوهما قريبا بالاضافة الى السودان وتشاد وجنوب السودان كما ان المملكة العربية السعودية سمحت للطيران المدني الاسرائيلي التحليق في اجواءها ربما كخطوة اولى في طريق التفاوض على علاقات ثنائية.

العالم العربي لم يعد يرى اسرائيل عدوا انما دولة معترف بها ولها مكانتها في المنطقة مع التأكيد على انهاء الاحتلال واقامة فلسطين الى جانب اسرائيل.
من هنا وفي ضوء ما تقدم يبدو ان الصراع العربي الاسرائيلي وصل الى نهايته بالمفهوم التقليدي وما بقي هو صراع اسرائيلي فلسطيني يكون فيه للفلسطينيين الدور الاكبر في اتخاذ القرار، الانضمام الى عربة السلام والقبول بحل الدولتين ام الالتحاق بركب الممانعة ومحور ايران والعواقب ستكون وخيمة حتما، كما يحصل مع لبنان وسوريا واليمن وسائر ادوات ايران في المنطقة العربية.