من غرائب مايجري في بعض أوساطنا الاجتماعية وبتأثير من الاوساط السياسية العربية وبالذات في العراق الان وفي لبنان وسوريا وبدرجة أقل في البلدان الاخرى انك ترى كثيرا ممن يشتم الطائفية ويلعنها ويبدي مساوئها ، لكن قلبه يفيض بها وتحنو نفسه الى طائفته متمرغا في ترابها الملوث بالكراهية للآخرين كمن يأكل ورق الخسّ وينسى سماده الذي توغل في وريقاته يعلكها بأسنانه منتشيا زابدا ماءً يسيح حقدا وانتقاما وعداوة للأطراف الاخرى وكما يعلم العراقيون وقد يجهل أبناء بقية الدول العربية ان سماد ورق الخسّ هو من الفضلات البشرية " الخراء " ولا شيء غيره لينمو ويكبر وترتوي أوراقه من تلك الفضلات.

فالطائفية سواء ان كانت عِرقية أو دينية أو مذهبية يمكن توصيفها انها رائحة كريهة تنبعث من فم حاملها دون ان يشعر ويعلم بنتانتها ويحسّ بعفنها لكن القريبين منه الذين يسمعون انبعاثات لسانه يشمّون ما فاحت من جيف الحقد والضغينة والبغضاء.

فالعقل حين يضيق ينحو منحىً طائفيا لأن الوطن أكبر بكثير من الطائفة التي لا تعدو ان تكون كيانا دينيا او عِرقيا أو تمذهبا لفئةٍ معينة ؛ فمن يختار ان يكون طائفيا لا يمكن ان يكون وطنيا مخلصا لبلاده ابدا ، فالطائفي الضيق الصدر ابعد مايكون عن عقيدة حب الوطن المقدسة وكلما تفاقمت الطائفية واشتد اوارها برزت العنصرية قرينا لها وليس بعيدا عنّا تجربة جنوب افريقيا والتي عانت طويلا من نظام " الابارتيد " الموغل في العنصرية قبل ان يتوحّد سكانها البيض والسود بزعامة نلسون مانديلا.

نقول لساستنا " الكرام جدا " ان الوطن اكثر اتساعا واكبر بكثير من الطائفية ولمن يريد ان يرهن نفسه للعمل من اجل الوطن فلينسَ الطائفية والتمحور لهذه الفئة او تلك.
اكتب عن هذه الظاهرة المقززة وانا أسمع في الوقت الحاضر دعوات لأحيائها والتعويل عليها والنفخ في رمادها لإشعالها مرة اخرى بشكل أشدّ سعيرا مما كانت في السنوات السابقة المريرة التي ذاق أهلنا طبختها العفنة السامة القاتلة قبلا.

ولمن يريد الرقيّ والنماء لعراقنا ديمقراطيا فليطمر الطائفية في أعمق غور لأن الديمقراطية عمادها المواطنة والسواسية بين السكان بلاد على اختلاف مللهم ونحلهم ومشاربهم وأعراقهم وعقائدهم فالتمحور الطائفي لا يؤسس دولة عدلٍ كما ان الدولة التي تنشأ وتتأسس على نظام طائفي تخلق أزمات طائفية حتى تستمرّ ويبقى الوطن عرضة لأزمة اثر أخرى الى أن يصل الأمر الى استحالة العيش المشترك بين مواطنيه.

من هنا يبدأ النزوع نحو التقسيم والتفتت والتشرذم والمحاصصات على طريقة هذا لرهطي وهذه لفئتي كما يحصل الان فذلك الموتور يدعو الى اقليم سني وذاك يهيئ نفسه للاستقلال بذريعة استحالة العيش المشترك مثلما حصل سابقا في السنوات التي تلت الاحتلال حين دعا بعض سياسيينا الغارقين في الطائفية الى تكوين كيان لطائفة معينة على شكل اقليم فيدرالي او كونفدرالي في وسط وجنوب العراق والأمر لا يعدو كونه حنكة سياسية امريكية المحتوى جاءت بمشروع التقسيم للسيطرة والتحكّم بالكيانات الصغيرة التي ستنشأ لاحقا وفق ما جاء به اليانكي الاميركي الديمقراطي (جو بايدن) في مشروعه الخبيث الطويّة قبل عدة سنوات ؛ تماما كما وصلتنا هدية الديمقراطية الملوثة بالطائفية واتضح بعد فتح غلاف سيلفونها الجميل ظاهريا فاتضح انها هدية مسمومة أطاحت بشعبنا العراقي وملأت أحشاءنا بالأوجاع والقيء الى يومنا هذا ؛ والخوف كل الخوف ان يفوز هذا البايدن في الانتخابات الاميركية المقبلة ويعود الى برنامجه الاول التقسيمي ويعمل على ترسيخه ويبدو ان جمهوريي اميركا وديمقراطييها الحزبين الرئيسيين فيها يعملان على توجيه سياسيينا بالرمونت كونترول لإثارة فكرة التقسيم الطائفي بين آونة وأخرى.

فيا أيها الطائفيون، انتم تشتمون انفسكم وتسيئون لأتباعكم ، لستم وطنيين مهما ادّعيتم كذبا وبهتانا ومَيْنا فمن يعمل خيرا لوطنه كلّه محال ان يكون طائفيا ومن يتحزّب لمجموعة معينة يضيق صدره بالوطن فلا تقولوا بألسنتكم مما ليس في قلوبكم ؛ فالعراق أشمل بكثير من الطائفة مهما كثرت أعدادها واكبر من الحزب مهما اتسع في صفوف الرعيّة.

لا نغالي اذا قلنا ان الميل الطائفي هو علّة ترافق غير الأسوياء ومنهم المرضى غريبو الأطوار المليئة قلوبهم كراهيةً للآخرين ظنّا منه انه سيرفع شأن طائفته اذا بثّ المقت والحقد والكره كي يهلل له الجهّال من بني جلدته لكنه سيخسر وطنه حتما ومن يختار اللعب بخزعبلات الطائفية لا يكون وطنيا أبدا وفاقدا للحرية أيضا لأنه مرتهن بطائفيته ومحبوس في أسارها ، فأينما تكون الحرية يكون وطني على حدّ تعبير الشاعر البريطاني البصير (جون ميلتون).

أكاد أوقن انه كلما رأيت طائفيا وسمعت منه شيئا أتحسس منه سمات الوحشية لأنها - ايّ الطائفية - لابدّ ان تخلق أعداءً لتكون فريسة لها، ولكي تستمر بمنطقها الاختزالي المبنيّ على اتهامات الغير لتستعدي وتخلق أهدافا حتى ترمي سهامها سواء كانت صائبة ام طائشة.

ويخطئ من يظنّ ان رعاة الطائفية يجنحون للسلم وكيف للسلم ان ينمو في نقيع ماءٍ راكدٍ لفئة واحدة وزمرة معينة على العكس من العدالة والمساواة التي لابدّ ان يجري شريانها لتعم الوطن كله وتشمل أهل هذا الوطن دون النظر الى طوائفهم وعقائدهم وألوانهم العرقية ومذاهبهم الدينية. فالطائفية لعنة مركّبة بكل لوثات ضيق الأفق، ابتليت بها بلادنا ، دخلت علينا خلسة من دروب التضاريس الدينية الوعرة المسالك والغريب انها تسمح وتأنس لمريديها بشتمها وإظهار شرورها مثل مجرم ينتشي لذكرِ أعماله الشريرة ودناءة إجرامه وعنتهِ وقوتهِ وتعسّفه وتنتفخ أوداجه طربا لمسلكه المشين الذي يظنّ انه بطوليا، فالطائفي مجرم لا يثق بمواطني بلاده متعددي الأعراق والمذهب والعقيدة الدينية وان لم يلوّث يديه ظاهريا وإنما يلوّث لسانه حقدا وكراهية للغير ولذلك يستحقّ اللعنة والعقاب الصارم معاً.