منذ ان نشأت الإنسانية على الأرض وتشكلت الأمم والشعوب وأصبح لا بد من انشاء مقومات الحياة والاستقلال والتطور. حاولت كثير من الأمم والشعوب ان تحقق ما تصبوا إليه من متطلبات الحياة والرفاهية. الا ان بعض الأمم والشعوب توفرت لديها مقومات النهضة والتقدم، وظلت بعض الأمم والشعوب عاجزه عن النهضة والتقدم، وبعض الأمم والشعوب وقفت في الوسط بين التخلف والنهضة.

إذا تتبعنا حالة الشعوب التي أحدثت نهضة في حياة بلدانها فسنجد بأن هذه الشعوب قد اخذت بالأسباب التي تؤدي في نهاية المطاف الى الرقي والتطور على كل الأصعدة، والتي يمكن إيجازها في الآتي:
الحرية: بمفاهيمها المختلفة كان لها نصيب وافر في تحقيق ذلك. نعم، قد لا تكون الحرية وحدها أداة النهوض، ولكنها بالتأكيد أحد دعائمه المركزية، ولم تكن الشعوب لتنهض بدونها، فهي أحد وجوه التلازم التي نشاهدها مصاحبة لمسيرة الدول التي حققت ما تصبوا إليه من نهضة حضارية وإبداعات عمرانية، بشكل لا تخطئه عين المشاهد لما هو قائم، أو القارئ للصيرورة التاريخية وحركة الشعوب والأمم.

مكافحة الفساد: يأتي الحديث عن مكافحة الفساد كمقدمة أولى، فلا نمو ولا إصلاح اقتصادي دون مواجهة جذرية للفساد بكافة أشكاله، وبخاصة أن السلوك الفاسد لا يزال يتسم بطابع كلي الوجود، إذ إنه يحدث في كافة الأنظمة السياسية، وتجري به المقادير على جميع مستويات التنمية، وفي كافة أنواع النظم الاقتصادية، من الاقتصادات الرأسمالية المفتوحة إلى الاقتصادات المخططة مركزيا. يقطع الفساد طريق الدول نحو التقدم الاقتصادي الحقيقي غير المزيف، إذ يؤثر على البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء، وتقوض الرشاوى المشروعية السياسية، كما تعصف بالإيرادات الحكومية وتشوه التجارة والاستثمار الدوليين والمحليين، مما يقلل النمو.
السلوك اليومي للمواطنين: علينا جميعا أن نفكر ونتصرف كمواطنين احرار، شركاء في الوطن وليس كأجراء أو مستأجرين أو ضيوف أو متفرجين.

عندها سنقطع مع السلبية ونحرص على أوطاننا وشعوبنا كما نحرص على أهلنا ومساكننا، وندافع عن حريتنا وكرامتنا. ونرفض الذل والهوان ونتصدى للظلم وننتصر للمظلوم. الحقوق الطبيعية لا تطلب من أحد أو تمنح لأحد، بل هي هبة من الله (جلت قدرته وعلا شأنه) لجميع خلقه، ويجب ان تمارس كأمر واقع حتى تتحول إلى أعراف وقوانين.

الارتقاء بالنفس: من يريد أن يساهم في النهوض بوطنه وشعبه عليه أن يبدأ أولا بإصلاح نفسه والارتقاء بها، فتغيير الأوضاع يبدأ بتغيير النفوس والعقول التي أصابها الاستعمار الخارجي والاستبداد الداخلي بالكثير من التشوّهات. مطلوب إحياء مفهوم تزكية النفس (الأمارة بالسوء) وتحفيز الفرد للسعي نحو الكمال والإحسان، والإتقان في كل شيء من خلال إحياء الفهم الإلهي للدين والحياة، وجوهر الدين المتمثل في المعاملة الحسنة وخدمة الصالح العام، وترسيخ الحس الوطني. ولنا أن نتصور حجم التأثير الإيجابي الذي سيحدثه التطور المستمر والوعي المتنامي لأعداد متزايدة من المواطنين.
الحياة السياسية: العمل على تحصين الحياة السياسية من التعصب الديني والمذهبي والأيديولوجي والحزبي والطائفي، فضلا عن الانتهازية والوصولية والنفاق والتملّق والتربّح الشخصي. كما يجب أخذ الحيطة والحذر من عودة الاستبداد والدكتاتورية والإقصاء على يد الانتهازيين والمتملقين وقناصة الفرص والصيادين في المياه العكرة.

إن حاجة الشعوب العربية الى النهضة وضرورة التغيير والإبداع لا يمكن أن تنجز دون إعادة الاعتبار لمفهوم الحرية ليصبح ممارسة حية تتجاوز السِّجال والجدال النظري حول الحرية والليبرالية. ينبغي مراجعة مجمل الأفكار التي وضعها روّاد عصر النهضة والتشديد على ضرورة الربط بين الحرية الفردية والعقلانية والعدل، في إطار المسؤولية الاجتماعية التي تحافظ على الإنسان وتضعه في قلب الأولويات والاهتمامات.
أقوال في الرقي والتطور:
• لا تبعث الأمم بهمة شخص، بل بصدى همته في نفوس من حوله. وبتحمله وتحملهم مسؤولية العمل بهذه الهمة.
• إن الأمم الراقية لم ترتفع إلا بالعلم والعمل وباحترام ما يعمله أفرادها.
• بالعدل تحيا الأمم. لا تستقيم أمة إلا إذا كان العدل أساسا حاكما لها.
• الأخلاق. وإذا أُصيب القومُ في أخلاقِهم / فأقِمْ عليهم مأتَمًا وعويلاً (أحمد شوقي)