"معللتي بالوصل والموت دونه إذا مت ظمآنا فلانزل القطر"، حضرني هذا البيت الشعري المشهور للشاعر والفارس أبو فراس الحمداني، وأنا أقرأ خبرا مثيرا ليس للسخرية والضحك وإنما للشعور والاحساس بالقرف والغثيان معا، هذا الخبر تحدث عن معلومة غريبة وفريدة من نوعها ولاسيما في هذا العصر، حيث نقلها لنا بأمانة قناة" القرآن الكريم"الايرانية المعبرة عن النظام الديني الحاکم في إيران، على لسان محمد شجاعي، رجل الدين الموالي للنظام، وهو يتعلق بأول خبر سار في تأريخ الاسلام!

محمد شجاعي قال بکل ثقة وطمأنينة من على القناة المذکورة:" لقد شوهدت الثورة الإسلامية في إيران، منذ ولادة الرسول محمد… أول خبر سار في تاريخ الإسلام هو الثورة الإسلامية"، ولکي نفهم السر الاکبر وراء کون هذا الخبر سارا في ذلك الزمن الذي يفصلنا عنه 1442 عاما، فإن شجاعي إستطرد ليقول أن:" جبرائيل كان قد بشر السيدة فاطمة الزهراء بعد وفاة والدها بنبأ الثورة الإسلامية الإيرانية، الأمر الذي قلل من حزنها على فراق والدها"!!
لابد وأن أشير وأنا أتکلم عن هذا الخبر"المطير للعقل"کما يقول السوريون، الى أن هذا الخبر العابر للأزمان والعقول والمنطق، قد أثار موجة عارمة من السخرية والانتقادات اللاذعة للنظام الايراني ولهيئة الاذاعة والتلفزيون التابعة له والناطقة والمحمدة بإسمه ليل نهار، ولکن، هل قدمت هيئة الاذاعة والتلفزيون الايرانية إعتذارا صريحا عن هذه الکذبة المثيرة للقرف والاشمئزاز معا؟ قطعا لم تقم بتقديمه وحتى لو قدمته فهل سينتهي مسلسل التخريف والتجديف والشعوذة والدجل في هذا النظام؟

أثناء مشارکتي في نقل وقائع تجمع سنوي للمقاومة الايرانية في عام 2009 تحديدا، وأثناء حديث کان يجري بيني وبين قيادي في المقاومة الايرانية، أخبرني بأن مواجهتهم مع نظام الملالي هي مواجهة التقدم والحضارة والانسانية مع الرجعية والتخلف والخرافة والدجل والشعوذة وإن النظام يسعى الى مصادرة العقول وسلب الارادات من أجل فرض أفکارا ومفاهيم تصب في مصلحة بقاء وإستمرار النظام. وقال أيضا بأن هذا النظام لايهمه أي شئ سوى بقائه وإستمراره وإنه يضحي بکل شئ من أجل ذلك حتى بالشعب الايراني نفسه.

کلام هذا القيادي لو سحبناه على ماقد قام به النظام الايراني من أجل مواجهة إنتفاضات عام 2009 و2017 و2019، وکذلك أي نشاط وتحرك إحتجاجي ملفت للنظر ضده يٶکد حقيقة إن النظام مستعد للقيام بکل شئ من أجل المحافظة على نفسه، ومخطئ من يظن بأن الاساليب والممارسات البربرية التي إستخدمها النظام في بداياته وفي مراحل حساسة أخرى من تأريخه لاحقا، نظير حملة الابادة الوحشية ضد الکورد في مدينة سنندج في آذار من عام 1980 على يد الحرس الثوري، وکذلك مجزرة عام 1988 بحق الالاف من السجناء السياسيين والذي کان أحد أعضاء لجنة الموت التي کانت تصدر أحکام الموت على السجناء بعد محاکمات لاتتعدى بضعة دقائق، إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية حاليا في إيران، ذلك إن هذا النظام قد غير من أساليبه شکليا أما ضمنيا فإنه لم يختلف قيد أنملة، فهذا النظام لايجد هناك من أي أمر يعلو على قضية بقائه وإستمراره، ولئن کان هناك من يقول بأن صدام حسين قد أقسم أن لايسلم العراق إلا ترابا، أو ماينسب لرئيس وزراء عراقي سابق"ماننطيها"! وهي کلمة عراقية دارجة تعني"لانعطيها"ويقصد السلطة، فإن کلاهما أي صدام وهذا التالي، قد سلما أمرهما ومرت الامور عادية، لکن نظام الملالي، وکما کان أبو فراس الحمداني أنانيا في بيت الشعر الذي ذکرناه بداية المقالة(مع ضرورة التنويه عن إنه قد قال هذا البيت أيام أسره وذلك ماجعله يصبح أنانيا ومنغلقا على نفسه)، فإن هذا النظام أيضا يفضل إرسال الشعب الايراني الى الجحيم على أن يترك السلطة ويسلمها لغيره، ولذلك من هنا، ليس بغريب على الاطلاق أن تنقل الاخبار الواردة من داخل النظام الايراني بأن أحمدي نجاد عندما کان يخطب في الجمعية العامة للأمم المتحدة ظهرت هالة صفراء على رأسه، کما إنه لايجب الاستغراب أبدا عندما يهاجم مندوب الولي الفقيه والمرشد الأعلى في مدينة مشهد أحمد علم‌ الهدی، منكري "عصمة" الولي الفقيه قائلا "إن من يقول بأن المرشد الأعلى علي خامنئي غير معصوم، إما أنه مجنون أو عدو"، فهذا النظام کما أخبر العالم رجل الدين شجاعي قد بشر به جبرائيل قبل 1442 عاما بالتمام والکمال!!