يرى الكثير من المراقبين في إقليم كُردستان بأن التصعيد السياسي والأعلامي الأخيرين بين الحزب الديمقراطي الكُردستاني والعمال الكُردستاني التركي والتراشقات الكلامية بين مسؤوليهما، لن تمر من دون تداعيات ووقوع أحداث ومواقف مُعقدة قد تؤثر سلباً على إقليم كُردستان على الصعيدين السياسي والإقتصادي.

العمال الكُردستاني يعتقد بأن حزب البارزاني يمهد للحرب ضده بناءاً على إملاءآت تركية وبمؤآمرة مُحاكة من قِبَل المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات التركيMIT، وقد قال بعض مسؤولين في الحزب أكثر من مرة، بأن الديمقراطي الكُردستاني يُقيم معسكرات قرب النقاط والأماكن العسكرية التي تتواجد فيها قواته، ويُعتبر ذلك، في نظره، تمهيداً لبدء الأقتتال، وهذا ما يريد العمال الكُردستاني تجنبه على حد قول قادته العسكريين، ولكنه يؤكد في الوقت الذاته أنه إذا ما لجأ الحزب الى هذا منحى، كخيار إضطراري، فعندئذٍ سيدافع عن نفسه ويكون حزب البارزاني، كما يقول، هو الطرف المسؤول عن أي تصعيد عسكري واسع النطاق.

المعروف ان العمال الكُردستاني يرفض رفضاً قاطعاً وبشكل علني "إتفاق سنجار" المبرم بين بغداد واربيل، لأنه يرى فيه ضربة قاضية لنفوذه السياسي القوي في سهل نينوى ومناطق سنجار الإستراتيجية، فضلاً عن ان الإتفاق، حسب تقديره، يأتي على حساب تجاهله وتجاهل موقعه وموقفه السياسي والعسكري المتميزين في مواجهة داعش وتحرير سنجار والدفاع عن الإيزديين وحمايتهم، كما أنه يعتقد بأن على اهالي سنجار أنفسهم أن يقرروا ما إذا هم بحاجة اليه ام لا، موحياً بذلك رفض أي إملاءآت أخرى مهما كان الثمن!.
طبعاً أستنكرت حكومة إقليم كُردستان أستهداف أنبوب تصدير نفط الإقليم لأن حسب البيان الذي أصدرته، توقفت بسبب الحادث صادرات نفط إقليم كُردستان، ومعنى ذلك أن حكومة إقليم كُردستان ستبرأ نفسها أمام الرأي العام الكُردستاني إذا ما أنعكس الأمر على إلتزامات الحكومة تجاه موظفي إقليم وتأخُّر صرف رواتبهم الشهرية، وأن الحزب العمال الكُردستاني هو الذي سيكون الطرف المسؤول عن تأزيم الوضع المالي المزري الذي يعيشه الإقليم بسبب انخفاض اسعار النفط العالمية ونتيجة لتفشي مرض الكورونا.

وموقف الإتحاد الوطني الكُردستاني، ثاني أكبر حزب في الإقليم، إزاء المستجد هذا، هو الآخر حساس للغاية. صحيح أنه بالضد من التصعيد الإعلامي والأمني بين العمال الكُردستاني والحزب الديمقراطي، إلا أن هناك أمور وإعتبارات أخرى تجعله يتوخى الحذر في توحيد الموقف مع شريكه في الحكومة ألا وهو حزب الديمقراطي، لاسيما إذا ما أتجهت الأمور في الأيام القادمة الى مزيد من التصعيد عسكرياً بين الطرفين الكُرديين.

ويُذَكَر الوطني الكُردستاني الجانبين بأنهما أساساً أعضاء في المؤتمر القومي الكُردي، الذي يضم كافة التشكيلات الحزبية الكُردستانية في أجزاء كُردستان الاربعة، وتربطهما روابط سياسية وقومية تستوجب عليهما الإلتزام بها والحيلولة دون الوقوع في فخ مُحتلي كُردستان!.

ويدعوا الإتحاد الوطني حالياً، على حد علمي، الى تهدئة الموقف وإنهاء الصراع الراهن واللجوء الى الحوار القومي والوطني عبر القنوات المتاحة والممكنة وهي كثيرة وغير معدومة!. صحيح أن حزب الطالباني وبفعل مشاركته في حكومة الإقليم استنكر استهداف انبوب تصدير نفط الإقليم لأنه يُسبب مشاكل مالية أخرى إضافية في الوقت الذي يعاني الإقليم أصلا من أزمة مالية خانقة، إلا إنه، كثاني حزب كُردي في الإقليم، يسعى أيضاً الى لعب دور الوسيط وإبعاد شبح الإقتتال الكُردي– الكُردي.
وبرصدنا لموقف الأتحاد الوطني، فلهذا الأخير إتجاه مختلف عن الديمقراطي الكُردستاني يتمثل في الموقف من التواجد التركي على الأراضي العراقية والكُردستانية، أنه يرى أن مصدر آخر من مصادر التوتر في مناطق بهدينان بين العمال الكُردستاني وبين حزب البارزاني يرجع الى تكاثر المعسكرات التي أقامها الجيش التركي وتوسعها داخل إقليم كُردستان بذريعة ملاحقة ومواجهة حزب العمال الكُردستاني، خاصة أن مجلس النواب العراقي طالب أكثر من مرة بأن ينتهي تواجد القوات الأجنبية بما فيها القوات التركية على الأراضي العراقية من ضمنها تلك التي تقع في مناطق كُردستان العراق..

وثمة اليوم معلومات أكيدة وموثوقة تفيد بأن الأنبوب التي تم استهدافه داخل الأراضي التركية يعود ملكيته أصلاً الى شركة تركية هي شركة(بوتاش) وعلى هذه الشركة إصلاح الأنبوب بنفسها وليس على إقليم كُردستان، وتصليح الأنبوب لا يستغرق بضعة أيام فقط على حد قول رئيس كتلة التغيير في برلمان إقليم كُردستان.

على أي حال، يبدو ان مشهد إقليم كُردستان أصبح معقداً أكثر مع هذا التطور الأمني المفاجيء، وإن المواجهة الكُردية – الكُردية مُحتملة إذا ما لم تنجح جهود الخيرين ومساعي الأحزاب الكُردستانية في العراق وسوريا و إيران، لاسيما أن الكثير من الأحزاب الكُردية هنا قلقة للغاية وتخشى أن يدفع المواطن وشريحة موظفي الإقليم ثمن هذه الأحداث باهضاً، والخشية كل الخشية، هي أن تستغل أوساط متنفذة داخل الحكومة عملية استهداف انبوب تصدير نفط كُردستان كذريعة لإيقاف صرف رواتب موظفي إقليم كُردستان أكثر مما هو عليه الآن وبالتالي تأزيم وتخريب العلاقة مجدداً بين السلطة والشارع الكُردستاني.

كاتب وأكاديمي – كُردستان العراق