لم تعد الشائعة بمعناها السياسي والاقتصادي والاجتماعي بمعزل عن ظروف نشأتها ومصادرها وبيئتها. فهي ترتبط بثقافة المجتمعات وسلوكها. وأنماط التفكير السائدة. وبالمصالح والأهداف للدول والأفراد والمؤسسات والجماعات. وهي بهذا المعنى تأخذ شكل أقوال وأحاديث وروايات يتناقلها الناس دون التأكد من صحتها والتحقق من صدقها. وبمعنى آخر الترويج لخبر مختلق لا أساس له من الصحة، أو له جانب ضئيل من الحقيقة.

وتزداد قوة الشائعة في المجتمعات عندما تكون هناك أهمية لخبر يحقق رغبات الناس ومصالحها. إنها شحنة من الأماني والآمال التي تعبر عن الرغبات التي يأمل الإنسان حدوثها، ويعجز عن تحقيقها. كما تزداد الشائعة في الظروف الغامضة والمتناقضة، حيث يبحث الإنسان عن الحقيقة وسط حالة الغموض والسرية للأحداث والأخبار والمعلومات.

وإذا كانت الشائعة وسيلة من وسائل الحرب النفسية التي استخدمت في مجال السياسة والحرب والدبلوماسية. فإنها استثمرت بشكل خطير في المجال الاقتصادي. فكانت الأقسى والأخطر في عملية التخريب: تخريب اقتصادات الدول وتدميرها، وافتعال الأزمات الاقتصادية، وتخريب عقل الإنسان وتنميطه باتجاه سلبي. وكلها قائمة على منهجية علمية معقدّة لتكوين ثقافة اقتصادية قائمة على خلق الأوهام والشكوك واليأس والاستهلاك والجشع والأنانية. فتلجأ إلى المثيرات النفسية أكثر من اللجوء إلى العقل، وإلى الحيل المتداخلة لتغيّب المنطق، حيث غلبة الشعور والعواطف على لغة العقل ومنطقه.

والشائعة هي أزمة تحتاج إلى إدارة فعالة لمحاصرتها وتطويقها للتقليل من مخاطرها على أمن الفرد سياسيّاً واجتماعياً واقتصادياً. لأن الشائعة كأزمة تهدد المجتمعات وتنخر قيمها وسلوكها، خصوصاً في المجال الاقتصادي والمالي.

ما نشهده اليوم، في مجال الاشاعة الاقتصادية ضد الإمارات وبالذات دبي. هو تجسيد لفعالية الشائعات في صنع الأزمات وتمرير المعلومات. هدفها مرتبط بمصالح الدول لأهداف سياسية مقصودة وبحقد دفين لما يجري في الامارات من نهضة اقتصادية كبرى. حيث الاستثمار الواسع في ميادين الاقتصاد، واستقطاب الشركات ورؤوس الأموال. رغم البطء العالمي، وأزمات السوق الدولية بسبب جائحة كورونا، وحروب المنطقة. والآخر مرتبط بطبيعة المنافسة العالمية والمضاربات المالية. إضافة إلى البعد الإعلامي، وما تثيره أجهزة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من معلومات اقتصادية مضللّة لتمريرها لأهداف متعمدة وخبيثة.

ويمكن القول إن الشائعة في الأسواق الاقتصادية والمالية اتخذت أكثر من صورة واتجاه؛ هي تنتشر في أوقات الأزمات بأنواعها، بسبب افتقاد بيئة السوق المالي إلى شفافية في المعلومات الواضحة. أو وجود غموض يكتنف سير العملية الاقتصادية. كما تتخذ الشائعات أحيانا بلغة العلم صورة (الشائعات الزاحفة) التي تروج ببطء، أو تتخذ صورة (الشائعات الغامضة) التي تغوص ثم تظهر مرة أخرى عندما تتهيأ لها الظروف المناسبة والمساعدة للظهور.

يمكن القول أيضا إن نشرها في الأسواق الاقتصادية والمالية مرتبط بخصائص الأشخاص الذين يميلون لنشرها لأسباب تتعلق بمرض (حب الظهور) أو (تعويض النقص) لديهم سيكولوجيا. وإسقاط النزعات الشخصية كوسيلة تعبير عن المخاوف والرغبات الشخصية الداخلية. أو هو عامل نفسي مرتبط بفكرة (الأمل في الاطمئنان)، بحيث يتداول الشخص الشائعة أو يسهم في نشرها، ليشارك الغير في الانفعال الذي يشعر به كالقلق والخوف. كما أن الشائعات تنتشر من خلال الاتصال الشفهي باعتباره أكثر قوة وانتشارا وتأثيرا في مجتمعاتنا. لكن التطور التكنولوجي في الاتصال والإعلام ساعد على انتشارها من خلال استعمال وسائل اتصال مريحة وسريعة كالفضائيات والأنترنت والهاتف المحمول. وهذا ما نلاحظه بقوة في ظاهرة الرسائل الإلكترونية القصيرة والمكالمات الهاتفية، حيث نقل الشائعات داخل الأسواق المالية تبدو الأسرع في الوصول والتأثير.

ينبغي الاعتراف أيضا بأن الشائعات الاقتصادية تعد أكثر خطورة على المجتمع، لما تتسبب فيه من خسارة قد تصل إلى ملايين الدولارات. كما أنها تضر بسمعة بعض الشركات. وجهود الدول الفاعلة في مجال التنمية المستدامة. وهذا ما نراه على الواقع عندما تحاول بعض الجهات في كل فترة زمنية أن تبعث برسائل سياسية وإعلامية لتشويه سمعة الامارات في مجال الاقتصاد والعقار والتنمية. وتصوّر المعلومات بطريقة مضخمة ومضللة لدى الجمهور والمستثمر معا لتكريس فكرة (الخوف) و(التردد). وكذلك اختلاق الأحداث غير الواقعية التي تصور المشهد الاقتصادي بأنه في حالة انهيار أو أن هناك أشياء ستحدث غير متوقعة. وكل هذه الأساليب هدفها النيل من سمعة الإمارات عالميا. والتأثير على أصحاب القرار. وشل حركة الاقتصاد. وخلق صور نمطية سلبية في ذهن المستثمر.

أخيرا لابد من القول إن اقتصاد الإمارات، رغم كل الأزمات العالمية، وحروب وفوضى المنطقة، يبقى الاقتصاد الأقوى، والأكثر مرونة. وتبقى الامارات بيئة استثمارية مجزية الان ومستقبلا، مقارنة بالاقتصادات العالمية الأخرى. بل ان فرص الاستثمار اليوم هي فرص المستقبل. فلا خوف على بلد يبتكر الحلول غير التقليدية بعقل ناضج ورؤية حكيمة. وأفكار مبهرة وخلاقة. وفكر أقتصادي متنوع بالفرص. وأفعال تنموية تكبر بالمنجزات العملاقة. حيث ميزانيه تبهر كبار الدول. وطيران يحلق بالمليارات أرباحا. وموانئ تستفز الكبار بنشاطاتها الاخطبوطيّة. ورمال صحراوية تتحول ذهبا وسياحة واستثمارا.

لب الكلام، هذا البلد القاهر للمحن، والمبتكر للحياة الجديدة قادر على قبر أكبر الإشاعات الاقتصادية بالأفعال المبهّرة. وأفشال المخططات اللئيمة المصابة بعقدة الإمارات العصرية. لذلك نقول بصوت عال: لا تخافوا على الإمارات لأنها تكبر بالإشاعات، وتتحصن بالأبداع. هي فعل مضارع بوابتها المستقبل.