على الرغم من التحفظ الذي يحاول خامنئي وتياره من الظهور به حيال فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الامريکية لکن لايبدو إن الاوساط السياسية والاعلامية المتابعة للشأن الايراني تأخذ ذلك التحفظ على محمل الجد وتصدق به بل إنها ترى بأن ملالي إيران وفي المقدمة خامنئي قد تنفسوا الصعداء بسبب ذلك، ولئن لم يتمکنا کل من روحاني وظريف من إخفاء فرحتهما العارمة وأطلقوا العنان لتصريحاتهما المتفائلة وتلقيا بسبب ذلك سيلا من الانتقادات من جانب تيار خامنئي، غير إننا يجب أن نعلم بأن ذلك هو في الحقيقة مجرد تبادل للأدوار الذي لم يعد ينطلي على أحد وکمثال دامغ على ذلك هو ماجرى في الايام الاخيرة التي سبقت إبرام الاتفاق النووي في صيف عام 2015، حيث أعلن خامنئي 19 شرطا لإبرام الاتفاق النووي، لکن وعندما لم تأبه دول 5+1 عموما والولايات المتحدة الامريکية خصوصا لما أعلنه خامنئي فقد تم إبرام الاتفاق وضربوا بالشروط ال19 لخامنئي عرض الحائط.

اليوم وبعد فوز بايدن، فإن الملالي يقومون بنفس اللعبة المفضوحة والمکشوفة فيتبادلون الادوار وعيونهم على بايدن وماسيصرح به بشأن الموقف منهم، وهم يسعون من خلال ذلك بعث الروح في مسرحية الاعتدال والاصلاح التي ثبت للعالم هزالتها وزيفها ويبدو إنهم يريدون أن يخلقوا حالة من الضبابية وعدم الوضوح أمام بايدن بخصوص موقف الملالي من إنتخابه وهم يبتغون من وراء ذلك تحقيق أهدافهم المبيتة في حمله على إتخاذ مواقف لينة منهم إکراما لجناح الاعتدال والاصلاح المزعوم الذي إنتهى أمره خلال فترة ترامب الذي کان ينظر لجناحي النظام نفس النظرة، ولايبدو إن هناك مايدعو للإعتقاد بأن بايدن سيتأثر بهذه اللعبة ولاسيما وإن معظم من کتبوا بهذا الخصوص قد أشاروا الى هذه النقطة تحديدا.

هناك ثمة مسألة مهمة جدا لابد من نشير إليها ونتوقف عندها وهي إنه وفي ضوء السياسات التي يتم رسمها والعمل بها في ظل الادارات الامريکية المتعاقبة، فإن هناك خطا عاما لها يعمل على المحافظة على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريکية، ومن السذاجة التصور بأن أية إدراة جديدة بمقدورها أن تنفي وتلغي ماقد قامت به وبنت عليه الادارة التي سبقتها، وهذا ماقد قصدته في مقال سابق لي من إن "ترامب حتى لو ذهب فهو باق"، ذلك إن الرئيس الامريکي ليس سوى موظف مهمته المحافظة على مصالح الولايات المتحدة وليس الاخلال والاضرار بها وإن بايدن الذي هو من اليمين الوسط في الحزب الديمقراطي الامريکي ويعتبر الى حد ما قريبا من الحزب الجمهوري ووقف الى جانب مختلف القرارات غير العادية الصادرة ومن ضمنها قرار إحتلال العراق وحتى تقسيمه، من السماجة إنتظار إتخاذه لمواقف تتناقض کليا مع تلك التي إتخذها ترامب، وهذه ملاحظة من الضروري جدا على ملالي إيران أن يأخذونها بنظر الاعتبار وينتبهون إليها جيدا.

الحالة الانفعالية"التفاعلية"الناجمة عن فوز بايدن في طهران بين أوساط الملالي خصوصا وإن هناك الکثير مما يسرب عن مايقال في مجالسهم الخاصة ومايعولون عليه من جراء إنتهاء الحقبة الترامبية التي عصرتهم عصرا وأوصلتهم الى حد أن يتصاعد الخلاف بينهم الى درجة المطالبة بإعدام روحاني ألف مرة، لکن وفي مقابل ذلك، فإن موقف بايدن لايزال على سابق عهده الذي أعلنه أثناء الانتخابات وهو موقف يطغي عليه الطابع العام ويمکن حمله على الکثير من التأويلات والتفاسير، مع ملاحظة ثمة نقطة مهمة وهي إن هناك إجماع بين مختلف المراقبين السياسيين على إن إدارة بايدن ستتمسك وتحافظ على علاقاتها الوثيقة مع بلدان محورية في الشرق الاوسط ولاسيما السعودية ومصر والامارات، وفي نفس الوقت فإن هناك ثمة ملاحظة مهمة يجب أن تٶخذ بنظر الاعتبار والاهمية وهي إن بايدن ليس من السذاجة بحيث يفرط بکل الجهد الذي بذله ترامب من أجل ممارسة الضغط بأقصى درجاته على الملالي ولايسعى لإستغلاله والاستفادة منه في فرض إتفاق مناسب يسد الثغرات الموجودة في الاتفاق السابق ويضمن لجم طموحات الملالي النووية، وقطعا فإنه ومابين حالة الانفعال والاستعجال التي تسود في طهران وبين حالة البرود وعدم الاکتراث والتأني لدى بايدن، من السذاجة التصور بأن الامور ستجري کما يشتهي ويريد ويطمح إليه الملالي خصوصا وإن بايدن رأى ماقد نجم وتداعى عن الاتفاق النووي وکيف إنه کان في صالح الملالي في خطه العام، ولاسيما إذا ماأخذنا بنظر الاعتبار التصريحات التي أدلى بها مستشار الأمن القومي السابق في البيت الأبيض، هربرت ريموند ماكماستر، إلى الرئيس المنتخب جو بايدن، داعيا إياه لعدم العودة للاتفاق النووي مع إيران عندما قال بالحرف الواحد: "سيكون من الخطأ الفادح إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإحياء الاتفاق النووي" بل وإنه ذهب أبعد من ذلك عندما أکد بأن الاتفاق النووي"كان كارثة سياسية تم تصويرها على أنها انتصار دبلوماسي"، وبرر ذلك قائلا أن: "الصفقة التي أبرمها وزير الخارجية آنذاك جون كيري مع نظام طهران فشلت في الأخذ بنظر الاعتبار الأيديولوجية العدائية للحكومة الإيرانية والحروب التي خاضتها طهران بالوكالة ضد الولايات المتحدة خلال الـ40 عاما الماضية" ومستطردا أن "إيران استغلت الأموال وتخفيف العقوبات والمكاسب الكبيرة التي تحققت نتيجة للاتفاق لنشر العنف الطائفي في جميع أنحاء المنطقة"، ولذلك فإن على الملالي أن يدرکون ويعون جيدا بأن اليوم غير البارحة وإن ماکان يصلح للأمس قد ذهب مع الامس مع الزمان ولن يعود!