ما بين عامي يناير 2011 ويناير 2021 المقبل عشر سنوات بالتمام والكمال، تغيرت فيها مصر والمنطقة، بل والعالم أجمع. وجرت مياه كثيرة في الحياة السياسية بمصر، وجرفت معها نظامين حاكمين، الأول نظام حكم حسني مبارك، الذي استمر قرابة 30 عامًا، ثم نظام حكم الإخوان الذي لم يدم أكثر من عام. وفشل بشكل مريع في حكم مصر، بل وكاد أن يقذف بها في أتون الحرب الأهلية.

بعد خروج المصريين في مظاهرات مليونية في 30 يونيو 2013، وإسقاط "حكم المرشد"، بدأت فترة انتقالية استمرت نحو عام آخر بقيادة الرئيس الانتقالي عدلي منصور، سُحقت فيها جماعة الإخوان تمامًا. ثم جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليكمل ما بدأه باعتباره وزيرًا للدفاع خلال الفترة الانتقالية، ليتم محو الجماعة كتنظيم سياسي من الحياة في مصر، وتعود كجماعة سرية تعمل تحت الأرض، أو بمعنى أدق "عادت إلى سيرتها الأولى".

تشرد بعض قيادات الجماعة في أراضي الشتات في قطر وتركيا وألمانيا والنمسا وبريطانيا وماليزيا، بينما استقر بعض آخر في السجون ومنهم المرشد العام محمد بديع، والرجل القوي خيرت الشاطر، بتهم تتعلق بالعنف والإرهاب.

لعدة سنوات كانت الجماعة ترفع شعار "مرسي راجع"، إلا أنه بوفاة مرسي، تلاشي حلم "العودة للحكم". ومنذ يونيو 2013 وحتى الآن، أي نحو سبع سنوات، تعيش الجماعة وقياداتها في الظلام ويتعايشون على المظلومية، وليس لهم من وكيل أو كفيل إلا اثنين لا ثالث لهما، قطر وتركيا. تعتقد قيادات الجماعة أن الرابط بينها وبين نظامي الدوحة وأنقرة، رابط روحي أو إيدلويوجي، إلا أن هذا وهم كبير، فالرابط الحقيقي هو رابط مصلحي، رابط براجماتي ليس أكثر، أي بمعنى أدق "رابط استغلالي لها".

نظام قطر يستخدم الجماعة من أجل تحقيق أهداف سياسية في المنطقة، بما يعطيه أهمية ووجودا على الساحة الدولية، فضلا عن أنه يستخدم الجماعة لصالح أجهزة وحكومات دولية، لا تريد أن تظهر في الصورة أمام شعوبها على أنها تدعم جماعات أصولية متطرفة، لكنها قد تحتاج إلي تلك الجماعة في وقت ما ضد الأنظمة العربية أو حتى في حروبها البعيدة مع القوى الكبرى مثل روسيا أو الصين.

أما نظام تركيا، فقد كان لديه حكم استعادة الخلافة العثمانية انطلاقا من أرض مصر، عندما وصل الإخوان إلى الحكم في 2012، وكان أردوغان أول رئيس أجنبي يزور مصر وقتها لتهنئة الجماعة، إلا أن هذا الحلم سرعان ما تبدد، بسبب فشل إدارة مكتب الإرشاد للبلاد، وتعدد الأزمات، وانفلات الأوضاع الأمنية. وحاول الرئيس التركي رجب أردوغان دعم الجماعة بالإضافة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، إلا أنهما فشلا، وتعرضت الجماعة للسحق في مصر، بل وتعرضت للحظر في السعودية والإمارات والبحرين.

بعد فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تراهن الجماعة عليه في تحقيق "حلم العودة" إلى الحياة السياسية، تتمنى أن ينجح في ممارسة ضغوط على مصر، في تحقيق مكاسب سياسية، من بينهما خروج قياداتها من السجون، وعودة الهاربين من الخارج، وإلغاء قانون تصنيفها جماعة إرهابية، وإعادة حزبها السياسي.

ومن هذا المنطق، دعمت الجماعة بايدن، وهللت له، ووصفته وسائل إعلامها بأنه "رجل يدعم المسلمين"، لمجرد قوله "إن شاء الله"، ولكن هذا الرهان خاسر مائة بالمائة، لعدة أسباب، منها:

الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي تتمنى الجماعة عودة أيامه، "تلك أمانيهم"، كان من نسل رجل مسلم، وهلل كثير من المسلمين لانتخابه، وظنوا "وبعض الظن إثم"، أنه سوف يكون نصيرًا للمسلمين، لكن ما حدث هو العكس، ففي عهد أوباما وبرعايته، تم تمزيق سوريا، وتشريد الملايين من شعبها، وتم تدمير العراق، وسلم البلد الغالي إلي إيران كليًا، بل إنه منح إيران الفرصة والمجال، كي تتوسع وتحقق حلمها في إنشاء الهلال الشيعي، من العراق إلى سوريا ولبنان، بل في عهده، تحول الهلال إلى بدر، بعد أن سمح لها بدعم الحوثيين والانقلاب على الحكومة الانتقالية الشرعية، ومازال العراق وسوريا واليمن ولبنان تعاني من ويلات الحروب والدمار، والسبب أوباما.

إذا كانت جماعة الإخوان ترى بايدن ظلا لأوباما، لاسيما أنه كان نائبًا له عندما قال لمبارك أثناء ثورة 25 يناير 2011 "ارحل الآن يعني الآن"، وأن بايدن يمكن أن يقول للسيسي "ارحل الآن يعني الآن"، فهذا أقل ما يقال عليه أحلام اليقظة، أو "عشم إبليس في الجنة".

عندما قالها أوباما، كان هناك الملايين من المصريين يتظاهرون في ميدان التحرير وشتى شوارع الجمهورية، كانت هناك ثورة شعبية حقيقية، تضم كافة أطياف الشعب المصري، وليس مجموعات من المنتفعين يطلقون فيديوهات أو يخرجون عبر قنوات تبث من الخارج، يحرضون من عليائهم المواطنين على التظاهر.

ورغم أن أوباما قالها لمبارك "ارحل الآن يعني الآن"، إلا أن الشعب رفضها، ولم يرحل مبارك إلا نزولًا على رغبة الناس، ولم يعافر ولم يعاند ولم يسع لإحداث فتنة بين الجيش ولم يعمل على استخدام العنف ضد الناس، كما فعلت الجماعة.

بايدن لن يجرؤ على قولها للسيسي، فالدولة المصرية مستقرة وقوية، والشعب يعي أن الخروج في ثورة جديدة يعني تدمير البلد، وإغراقها في الفوضى والعنف. الشعب لن يخرج في ثورة، لكي يعيد لإخوان للحكم.

هناك انجازات حقيقية على الأرض في مصر حاليًا، منها على سبيل المثال مشروع الإسكان الاجتماعي، الذي قضى على أزمة السكن في مصر، في ست سنوات، رغم أنها أزمة تمتد لأكثر من 40 سنة، وعجز مبارك عن حلها، بالإضافة إلى المشروعات الأخرى الضخمة من الطرق والكباري والمدن الجديدة والمشروعات الصناعية والزراعية، والأهم تطوير وتحديث الجيش المصري، ليحتل المركز التاسع عالميًا، والأول عربيًا، وهذا هو الأهم، فالجيش القوي لن يسمح لأحد أن يهددها مهما كانت صفته أو قوته.

بايدن كغيره من الرؤساء الأمريكيين، لا يدير الدولة بنظام حكم الفرد كما هو دولنا العربية، فهناك إدارة تشترك فيها المؤسسة السيادية والاقتصادية، منها الرئاسة ووزارتي الدفاع والخارجية والاستخبارات المركزية، وكلها تعمل لصالح أمريكا أولًا، وليس لصالح جماعات أو دول أخرى. ومن هذا المنطق، فإن مصالح أمريكا في المنطقة، ليست في تحقيق حلم "العودة" للإخوان، لأن في ذلك ضرب لعلاقات واشنطن مع مصر والسعودية والإمارات والبحرين.

رغم أن الجماعة حاولت أثناء الحكم مهادنة إسرائيل، بل ووصل الأمر إلى حد أن طالب القيادي الراحل عصام العريان اليهود الذين رحلوا عن مصر بالعودة إليها، إلا أن تل أبيب لن تدعمهم في الوصول إلى البيت الأبيض ولقاء بايدن، ليس حبًا في مصر، ولكنها تخشى من حماس، لاسيما أنها الفرع الفلسطيني للإخوان.

في 2011، عندما وصل الإخوان إلى الواجهة السياسية وفازوا في انتخابات البرلمان والرئاسة، كان ذلك بفضل الشعب المصري، وليس بفضل كلمة أوباما لمبارك "الآن يعني الآن". كان المصريون يرون أن الإخوان تعرضوا للظلم في عهد مبارك، وأنهم لديهم شعبية كبيرة، ومن حقهم أن يحكموا البلد، ماداموا قادرين على ذلك، كان الإخوان يتمتعون بحاضنة شعبية قوية، وليس دعم أمريكي، عليهم أن يتذكروا ذلك جيدًا.

الآن فقد الإخوان التعاطف الشعبي، ولم يعد أي من المصريين يرغبون في عودتهم للمشهد، لا في صورة حزب سياسي أو جماعة دينية أو حتى جماعة خيرية. كما القوى السياسية ترفضهم، فالجماعة تسير في طريق لن يتلقي أبدأ مع القوى السياسية الأخرى، ولذلك فلن تحظى بثقة الشعب مرة أخرى. ولن يجرؤ بايدن على أن يقول كلمة واحدة في حقهم، لأن "المتغطي بأمريكا عريان".

ما يجب أن يتحضر له الإخوان جيدًا، ليس العودة للحياة السياسية، بل يجب عليهم أن يتحسبوا أن يضحي بهم أردوغان، كما ضحي بـ"فيلق الشام"، أو أن يضحي بهم بايدن، كما ضحي ترمب بالأكراد السوريين. وعليهم أن يحسسوا رقابهم جيدًا، فالقبلة القادمة قد لا تكون "قبلة الحياة" بل "قبلة يهوذا الإسخريوطي".