تمر على الدول مراحل تطورية تبقى شموعاً تنير تاريخها وترسم ملامح تقدمها وتطورها نحو أفق المستقبل البعيد مكملاً ما سبق ومنطلقاً بخطط واستراتيجيات جديدة تحدد معالم العصر الجديد.
وقد مر على بلادنا المباركة بعد ملحمة التوحيد والتأسيس التي قادها الموحد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ، ثلاث مراحل تطورية أحسبها من نسجت تاريخ السعودية الحديثة.

المرحلة الأولى كانت بقيادة الملك سعود رحمه الله الذي انطلق بهذه البلاد بعد مرحلة التوحيد ليرسم ملامح الدولة الحديثة ويضع أسس الدولة المدنية على مختلف الأصعدة مثل التعليم والصحة والعدل والسياسة الخارجية والتنمية الداخلية والهياكل التنظيمية لوزارات الدولة منطلقة نحو البناء والتطور.

وجاء بعده الملك فيصل والملك خالد رحمهما الله ليرفعا البناء ويكملا المسيرة بجد ومثابرة واقتدار.
ثم كانت المرحلة الثالثة في عهد الملك فهد رحمه الله الذي وضع أسس مرحلة تطويرية جديدة عندما أصدر الأنظمة الثلاثة: ونظام حكم المناطق ومجلس الشورى والتي تعد مرحلة حاسمة في تاريخ المملكة رسخت لمزيد من العمل المؤسسي سواء فيما يتعلق بمؤسسة الحكم من خلال إنشاء هيئة البيعة أو مجلس الشورى الذي إنضم تحت قبة المجلس ستون عضواً في بداية تكوينه ونظام المناطق الذي أسس العمل الإداري المؤسسي لتنمية وتطوير كل شبر من هذه البلاد المباركة وجاء الملك عبد الله رحمه الله ليتم البناء ويواصل المسيرة وفق هذه المرحلة التطورية الحاسمة.

وعندما بويع الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ملكاً للمملكة العربية السعودية خلفاً لأخيه الملك عبد الله رحمه الله في 3/4/1436هـ الموافق 23يناير 2015م ليقود حفظه الله المرحلة التطورية الثالثة التي تعد مرحلة مفصلية في تاريخ مملكتنا الغالية لأنها مرحلة حاسمة في زمانها والظروف الجيوستراتيجية والجيوسياسية العالمية المصاحبة والمتغيرات في السياسة الدولية ولأن عرابها رجل الإدارة المحنك أمير عاصمة القرار لخمسة عقود كانت بحق مرحلة هامة في مسيرة بلادنا المباركة استطاع حفظه الله خلال الست سنوات الماضية أن يقدم للعالم السعودية الجديدة راسخة بثوابتها الدينية والأخلاقية منفتحة على العالم من خلال حزم متوالية من الأنظمة والتشريعات المدنية التي رسّخت مفهوم الدولة المدنية التي تركض في ميدان الكبار وتتعاطى مع متغيرات العصر على مختلف الأصعدة.

فبدأ مرحلته حفظه لله وهو رجل الإدارة الخبير باختيار فريق العمل الذي يؤمن بسياسته وفكره بدءاً بولي عهده الشاب المحنك صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد ومهندساً لرؤية المملكة 2030 التي رسمت الخطط والسياسات الآنية والمستقبلية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعدلي والثقافي والفكري وفق منظومة من الأنظمة والتشريعات المستوحاة من روح ديننا الإسلامي الحنيف الوسطي المعتدل البعيد عن التشدد والتطرف والغلو والجمود، فحققت المملكة والحمد لله في ست سنوات ما تحققه الدول في عقود فكان الإصلاح الإداري الشامل في مختلف قطاعات الدولة مرتكزاً للبناء والانطلاق، ثم محاربة الإرهاب والتطرف والغلو والوصول لمرحلة صفر عمليات إرهابية وأزيلت مظاهر ومتاريس الإحتياطات الأمنية التي كانت تحيط بكل مبنى حكومياً كان أو مدنياً وينطلق الوطن بشبابه وشاباته يداً بيد نحو الإعمار والبناء بعيداً عن المعوقات المصطنعة التي كبلت مشاريع البناء لسنوات طويلة، ثم كانت الحملة الموفقة بمحاربة آفة لا تقل عن آفة الإرهاب فتكاً وشراسة وهي آفة الفساد التي أعلنت الدولة الحرب عليها بدون هوادة وملاحقة كل من دخل في عملية فساد كائنا من كان في الماضي والحاضر واستعادت الدولة 247 مليار ريال من عمليات الفساد لتعود لخزينة الدولة.

كما تم وضع سياسات وخطط لإحلال موارد أخرى غير نفطية لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل وقد نجحت هذه الخطة في إنقاذ الاقتصاد السعودية في فترة جائحة كورونا عندما قلَّ الطلب وانخفضت أسعار النفط حيث كانت الميزانية المتوقعة لعام 2020 (833) مليار ريال يساهم النفط منها بمبلغ (513) مليار ريال لينخفض الرقم إلى (410) مليار ريال بعد انخفاض أسعار النفط ولتكون العائدات غير النفطية هي المنقذ للميزانية والتي بلغت (360) مليار ريال مما حافظ على بنود الميزانية وخاصة بند الرواتب من التأثر واستمر الصرف على المشاريع والصيانة والمنافع الاجتماعية دون تأثير يذكر.

كما كان النجاح حليف بلادنا في محاربة جائحة كورونا عندما تعرض الإقتصاد العالمي والنظام الصحي للإنهيار فبقي نظامنا الصحي قائمة وقدم أنموذجاً مشرقاً ومميزاً حيث تم دعم القطاع الصحي بمبلغ (183) مليار ريال تم صرفه على صحة المواطن وأمنه الطبي.
وحقق قطاع الإسكان نجاحاً كبيراً لتملك المساكن حيث زاد المستهدف في تملك المساكن عام 2020 إلى (60%) عما كان مخطط له وهو (52%) بزيادة (8%) وتقلص الانتظار للحصول على المسكن من 15 سنة إلى التسليم الفوري.
كما شهدت المملكة قفزة كبيرة في مجال الرقمنة والذكاء الإصطناعي والإعتماد على التقنية وأصبحت من أهم 10 دول في العالم تعتمد على هذا القطاع وتشجعه وقد تحقق هذا النجاح من خلال التعليم عن بعد وتسيير شؤون الدولة عبر الدوائر الرقمية من خلال بنية تحتيه تم التخطيط لها وإنجازها مسبقاً.

وقد حققت المملكة مركزاً متقدماً في التنافسية حيث حققت المركز الأول على مستوى قمة العشرين ، أما صندوق الإستثمار السيادي فهذه قصة لم تروى بعد فكما قال سمو ولي العهد رعاه الله قفز هذا الصندوق من (560) مليار إلى (1.3) تريليون ريال ويستهدف الوصول إلى (7) تريليون ريال عام 2030.

وهذا الصندوق يعد منجزاً ومفخرة لبلادنا المباركة وأماناً اقتصادياً ضد تقلبات الإقتصاد العالمي.
ولا نغفل دعم الشباب وتمكينهم من العمل من خلال التدريب والإبتعاث ليحققوا طموحاتهم وتطلعاتهم وفق ما هو مخطط له للحد من البطالة والسعي لتنخفض من 13% إلى 7% بحلول 2030، كذلك شهدت هذه المرحلة قفزة عملاقة في تمكين المرأة من العمل والمساواة في الوظائف والمناصب، فعملت نائبة وزير وسفيرة ومندوبة أممية وكاتبة عدل وعضو مجلس شورى ونائبة رئيس مجلس الشورى وأبدعت فكانت مع شقيقها الرجل كما وصفهم الملك رعاه الله أبطال مثلما أبناء الوطن أبطال على الحد الجنوبي للحفاظ على مكتسبات وطنهم وأبطال العيون الساهرة الذي يسهرون على أمن وسلامة الوطن والمواطن.

ولا يمكن في هذه الأسطر الإلمام بما شهدته السنوات الست الماضية من حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله وسمو ولي عهده رعاه الله التي حفلت بالكثير من النجاحات على الصعيد الداخلي والإقليمي والعربي والإسلامي والدولي.
وبهذه المناسبة ذكرى مرور ست سنوات على تولي ملك الحزم قيادة مملكتنا الغالية لنسأل الله أن يديم عليه الصحة والعافية ليواصل مسيرة البناء والعطاء محفوفاً بولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله وبحب وولاء الشعب السعودي الوفي لعقيدته وقيادته الحكيمة.

رئيس منتدى الخبرة السعودي