في نهاية الأسبوع الماضي، رحل عن دنيانا الفانية السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء السوداني الأسبق، في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، متأثراً بداء كورونا، رحمه الله.

الصادق المهدي شخصية سياسية وفكرية عربية وإسلامية معروفة لدى الكثيرين، لأنه ظل على مدى سنوات طويلة يسهم في الكثير من الملفات السياسية والفكرية العربية. فإلى جانب شخصيته السياسية المعروفة، كان السيد الصادق المهدي كذلك شخصية فكرية وعربية ساهمت بالكثير من المؤلفات في القضايا السياسية والإسلامية وحاز على العديد من الجوائز المرموقة، كما كان رحمه الله، على المستوى العربي والدولي له العديد من العلاقات والصداقات عبر مشاركاته في الفعاليات الفكرية والسياسية التي عرفه بها الناس.

ارتبط الصادق المهدي رحمه الله في مسيرته السياسية بقناعة ظلت معه ولم تفارقه أبداً وهي احترامه لقيمة السلام وقيمة الديمقراطية. فلقد كان رحمه الله مؤثراً للسلام وحريصاً على الديمقراطية لذلك وبالرغم من انقلاب الإخوان المسلمين عليه عسكرياً في العام 1989 ظل الصادق المهدي مؤمناً بالسلمية ودعا إلى ما سمي بالجهاد المدني وهو مصطلح أراد به الصادق المهدي المقاومة السلمية عبر الأدوات المشروعة وعبر القانون والنظام.

لقد ربطتني بالصادق المهدي علاقة صداقة وعمل في مجال الدبلوماسية الشعبية في إطار جامعة الدول العربية، حيث عرفت السيد الصادق المهدي، رحمه الله، عن قرب حين أسسنا معاً الحلف العربي لفض المنازعات، الذي كان يعنى باستثمار إمكانات الدبلوماسية الشعبية في دعمها للدبلوماسية الرسمية. وكانت لنا طموحات وآمال في هذا المجال إلا أنه حال بيننا وبين ذلك ما سمي بالربيع العربي في العام 2011 وخلال معرفتي به ولقاءاتي معه مراراً في القاهرة، لمست فيه كثيراً من صفات رجل الدولة

والمجتمع والفكر، فقد كان سياسياً حصيفاً وذكياً، كما كان في الوقت نفسه رجل فكر وحكمة، إلى جانب أنه شخصية اجتماعية من الطراز الرفيع فهو رجل لا يكاد يعادي أحداً، ويؤمن بمفهوم الصداقة مع الجميع، وأهله لذلك قدرته على تفهم الناس وتقدير أحوالهم والتماس الأعذار لهم مهما ناله منهم من نقد وتجريح، وتلك صفة عظيمه حباه الله بها، وجعلته شخص يجتمع عليه الناس مهما اختلفوا معه لأنه كان يترك مساحة للصداقة والإخوة مع الجميع رغم الاختلاف في الاتجاه الفكري والسياسي.

إن الصادق المهدي رحمه الله كان طرازاً نادراً من السياسيين الديمقراطيين أنضجته الأيام والسنوات بالحكمة والمعرفة وممارسة الحكم والمعارضة فكان في كليهما نموذجاً للسياسي الذي خبر دروب السياسة وعاصر حياة مديدة جعلته أحد المخضرمين القلائل في العالم العربي. فقد كان السيد الصادق المهدي رئيساً للوزراء في الستينات من القرن الماضي، ثم كذلك أصبح رئيساً للوزراء في ثمانينات القرن الماضي بين 1986 – 1989 وهو العام الذي حدث فيه انقلاب الإخوان المسلمين بقيادة البشير وتخطيط زعيم الإخوان المسلمين آنذاك الدكتور حسن الترابي.

ظل الصادق المهدي، رحمه الله، مهتماً بشأن الفكر وقضايا العصر لذا نراه يكتب في العديد من الجوانب المختلفة، حتى بلغت مؤلفاته العشرات. وهذا يدل على أنه كان يعيش حياة معاصرة ويعالج قضايا متغيرة ومتجددة، مما أهله ليكون من أبرز المفكرين الذين يواكبون العصر ويعبرون عن مستجدات كثيرة.

كما كان المهدي مهتماً بقضايا التعددية والمذاهب الإسلامية والتعايش السلمي إلى جانب مشاركاته الفاعلة بالمحاضرات في تلك الجوانب.

رحل الصادق المهدي عن دنيانا الفانية والسودان أحوج ما يكون إلى حكمته وبصيرته وهو يمر بمرحلة دقيقة من تاريخه السياسي. فلقد كان الراحل من أبرز الذين واكبوا كافة المتغيرات والأحداث السياسية في السودان بطروحات متجددة وأفكار غير تقليدية تتناسب وظروف المرحلة التي تعكس طبيعتها.

يعتبر الصادق المهدي من أبرز المفكرين الذين شاركوا بفكرهم ووعيهم من أجل الاستقرار والديمقراطية في المنطقة العربية، ولهذا كان رحمه الله عضواً نشطاً في نادي مدريد والعديد من المنتديات الدولية.

رحم الله السيد الصادق المهدي وأسكنه فسيح جناته وخالص العزاء لأبنائه: عبد الرحمن، والصديق والبشرى، كذلك لأبنته مريم وبقية أبنائه وبناته وللأخت رقية بالقاهرة، ولعامة الشعب السوداني في فقد هذا المفكر الجليل والسياسي النبيل.