الوجود والعدم، أيهما الاکبر والاقوى والاکثر سطوة وإمتدادا وتأثيرا؟ هل الحياة التي هي أفضل تعبير وتجسيد للوجود، أقوى وأکبر من الموت الذي هو الاخر أفضل تجسيد للعدم؟ هل إن الضياء هو أقوى من الظلام وهو الذي بإمکانه الهيمنة عليه، في حين إن الکون کله ظلام ولاترى ضياءا ونورا غير شعاع الشمس الذي وقياسا لظلمة الکون يمکن تشبيهه ببسمة شفاه قبالة مالانهاية من الوجوه العابسة والمکفهرة؟ الوجود والعدم، الحياة والموت، الضياء والظلام، تعبير عن صراع أزلي إتخذ ويتخذ له أسماءا وأوصاف وتعابير متباينة، صراع بحث ويبحث فيه الانسان عن ثمة إجابة لسر وجوده ولعمق وکبر وسطوة الخوف الذي يعيش في داخله تحت مسميات وتعابير مختلفة أيضا.

جون لينون في أغنيته الرائعة"سيمبثي"، يقول:"وعندما تهجع الى سريرك في الليل وتحدق من ثقب الباب، فقط فکر في الذين يقبعون في البرد والظلام" البرد والظلام، هما من جند العدم وإن الترکيز على الذين يقبعون في البرد والظلام فذلك يعني بأن ماتجده وتصادفه عند هٶلاء هو الوجه الحقيقي الصادم للحياة إذ أن المعاناة والالم والکآبة التي تجدها في هذه الوجوه هي غير تلك التي تجدها في وجوه أولئك الذين يرقصون ويتسامرون تحت وهج الانوار الساطعة ويرسمون على سحناتهم تعابير مفتعلة ومصطنعة يهيمن عليها الکذب والخداع، ولاأعتقد أبدا بأن أبطال ميشال زيفاکو الذين ينتصرون دائما والابتسامة تعلو وجوههم في نهايات قصصه ورواياته هم أکثر تعبيرا عن حقيقة الحياة وجدواها من الوجه المتجهم لجان فالجان أو الحزين لکوزيت في رواية "البٶساء" لفيکتور هيجو، جان فالجان الذي هو في حالة هروب دائموإصطدام مستمر مع الواقع وکوزيت التي هي في حالة إنتظار وتوسم في حياة تبعث على الطمأنينة، هما غير الفارس باردليان الذي تلتقي الصدف کلها من أجل إضفاء بعد أسطوري عليه وبعث النشوة في قلوب ونفوس من يتابعون مغامراته في الاجزاء ال11 من رواية باردليان والتي کلها عبارة عن کذبة مفتعلة وضحك على الذقون!

يقول الشاعر الايراني"تورج نکهبان" في قصيدة"رسوائي" التي غنتها المطربة الايرانية الراحلة"مهستي":" الحياة نتيجتها العدم هي نشيد غير مکتمل"، وبرأيي فإن هذا الشاعر قد لخص الوجود والعدم في هذا البيت الشعري البليغ وأجد من المهم جدا أن أعترف هنا بأنني ومن خلال مطالعتي وقرائتي للشعر الفارسي بقديمه وحديثه لم أجد مايضاهيه من عمق وقوة وأصالة في التعبير عن معاني الوجود والعدم والاحاسيس والهموم الانسانية في اللغات الاخرى التي أجيدها، وإن الشاعرة العراقية"فينوس فائق" وبنفس الاتجاه الفکري والفلسفي العميق تقول في قصيدة"أربعة رسائل بيضاء" کل الطرق في الدنيا تبدأ وتمتد وتنتهي إلا طريقا يأخذني الى قلبك لاإبتداء له ولاإمتداد لأنه لم ولن يبدأ يوما"، هذا التعبير الدقيق وبشکل خاص المقطع الاخير عندما تصف طريقها الى قلب حبيبها بأنه(لم ولن يبدأ يوما)، لايمکن أن ينسحب على الوجود أو الحياة لأن الحياة تبدأ وتنتهي بإنتهاء أسبابها ومقوماتها بعکس العدم الذي لم ولن يبدأ يوما وأضيف مع الاعتذار للزميلة فينوس لأن العدم هو الاصل ولم ولن يشعر به الانسان بل إنه يخافه ويشعر بالرعب البالغ منه، لکن السٶال الذي لابد من طرحه هنا هو؛ من الذي يجعل الانسان يشعر بالقلق والخوف أکثر هل هو الوجود أم العدم وبتوضيح أدق الحياة أم الموت؟

يقول الطغرائي:"أعلل النفس بالامال أرقبها ماأضيق العيش لولا فسحة الامل"، فالحياة تعني هنا الامل وهي حقا کذلك إذ أن الانسان ومن دون أن يعتريه الامل ويحلم بتحقيق أمر ما فإنه مجرد کائن ميکانيکي الحرکة أو بتعبير آخر ميت حي، لکن ماذا لو لم يکن هناك من أي أمل؟ ماذا لو کان حال الانسان کذلك الذي يقول:"ألا من موت يباع فأشتريه فهذا العيش مما لاخير فيه"؟ بل وإنني أسمح لنفسي بأن أتساءل؛ ترى هل إن أکثرية البشر في العالم يتسلحون بالامل أم إنهم على العکس من ذلك تماما وقطعا هناك إستطراد لهذا الحديث.