بتاريخ 19 نوفمبر الماضي، جمعني لقاء مع رموز فلسطينية بالقاهرة، تمحور حول مستقبل القضية الفلسطينية بعد توقيع الإمارات والبحرين، والسودان، اتفاقيات للتطبيع مع إسرائيل.

وتحدثنا سويا عن رؤيتهم للقضية الفلسطينية خلال المرحلة المقبلة، وتبين أنهم لا يعولون كثيرًا على مواقف أو دعم غالبية الدول العربية أو إيران، باستثناء مصر والسعودية، لكنهم لا يرغبون، بالوقت نفسه في خسارة الدول العربية التي وقعت اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.
ووجهوا الكثير من اللوم إلى رأس السلطة الفلسطينية الرئيس محمود عباس، لأنه هاجم الإمارات والبحرين، وقالوا إنه كان يجب يتعامل من منطلق الإخوة، ويكون العتاب سرًا، حتى لا يشمت الأعداء.

وخلال اللقاء أكد الدكتور أيمن الرقب القيادي في حركة فتح، أن " التطبيع لا يصب في صالح القضية الفلسطينية، التطبيع كان خطأ، كان بإمكان هذه الدول أن تنتظر حتى قيام الدولة الفلسطينية كما تنص المبادرة العربية للسلام التي طرحتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت 2002، كنت أتمنى أن يشكل العرب قبل التطبيع لجنة مفاوضات تضم ممثلا عن فلسطين ويذهبوا للمفاوضات مع ترامب ومع إسرائيل، ويطالبوا بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهي تمثل 20% من أرض فلسطين التاريخية"،

وكان السؤال الأبرز خلال اللقاء: ما الدول العربية التي من المتوقع أن تعلن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، بعد الإمارات والبحرين والسودان؟

لم تكن قد مضت سوى أيام قلائل على اندلاع النزاع العسكري بين جبهة البوليساريو والجيش المغربي، وقلت إنه المغرب تتعرض للابتزاز والمساومة. وأشرت إلى أن إشعال النيران في منطقة الصحراء الغربية، سوف تكون "العصا" التي يتم إرهاب المغرب بها لحمله على التطبيع. أما "الجزرة" ستكون التهدئة أو مساعدته في بسط سيطرته على الصحراء الغربية.

قلت هذا الكلام في يوم الخميس الموافق 19 نوفمبر الماضي، وقد صدقت توقعاتي. وقلت أيضًا إن السعودية لن تقدم على التطبيع مع إسرائيل، لأنها الدولة الإسلامية الأكبر والأكثر نفوذا وتأثيرا على المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وهي بلد الحرمين الشريفين. ولن تتخل عن المسجد الأقصى بهذه السهولة التي يتصورها الأمريكيون والإسرائيليون.

لن تكتب السعودية شهادة وفاة القضية والدولة الفلسطينية للأبد، فضلا عن أن السعودية ليست في حاجة للتطبيع، وليس فيه ما يغريها على أية مستويات سياسية أو اقتصادية أو حتى أمنية. وهذه قناعتي الشخصية.

وأيدني في تلك الرؤية القيادي الفتحاوي الدكتور أيمن الرقب. وقال نصاً في الندوة التي نشرتها جريدة وموقع النبأ الوطني: "التطبيع العربي مع إسرائيل سوف يستمر في عهد بايدن، والفترة القادمة ستشهد تطبيع سلطنة عمان والمغرب، الكويت ستكون من الدول المتأخرة، والسعودية لن تطبع".

رغم أن إسرائيل أحرزت أهدافًا كبرى في مرمى العرب، عندما عقدت اتفاقيات بالتطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. وقد تعلن عن اتفاقيات جديدة مع سلطنة عمان أو تونس، إلا أن هذه الدول أو بالأحرى هذه الأنظمة، ليست طرفًا أساسيا في المعادلة العربية الإسرائيلية، بل هي جميًعا ودول أخرى أصغر وأبعد جغرافيًا تلعب دورًا ثانويًا في الصراع العربي الإسرائيلي، أو بالأحرى دورًا هامشيًا غير مؤثر بالمرة، ولا تملك منها أية أوراق في هذا الصراع التاريخي والمزمن.

لماذا السعودية تعتبر الجائزة الكبرى؟ لأنها تمتلك أكبر اقتصاد عربي، وأكبر احتياطي للنفط، وهي قلب العالم الإسلامي، وأرض المقدسات الإسلامية. وعندما توقع مع إسرائيل اتفاقًا للتطبيع، فإنها بذلك تكتب شهادة وفاة القضية الفلسطينية.

سوف تنشط وسائل الإعلام الدولية التابعة لإسرائيل في ترويج الشائعات، وشن الحملات الممنهجة ضد السعودية، بل إن هذه الحملات قد بدأت بالفعل، كما هو حاصل في المرحلة الراهنة، وتهدف إلى خلق أجواء توحي للشعوب العربية والإسلامية، بأن المملكة تقيم علاقات خفية مع إسرائيل، أو أنها تشارك في مفاوضات أو تقيم معاملات تجارية أو اقتصادية أو فنية أو ثقافية أو رياضية.

سوف تنشر عملية نشر المزاعم عن لقاءات سرية بين قادة المملكة ومسؤولين إسرائيليين وأمريكيين، كما حدث في ترويج خبر على مستوى واسع يقول إن لقاءًا جمع بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي الشائعة التي نفتها العاصمة السعودية الرياض.

ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الإعلام الأمريكي الإسرائيلي، يسوف يذهب إلى أبعد من ذلك. وحصل عندما روج أكاذيب تزعم أن السعودية ساهمت في هندسة وخروج اتفاقية التطبيع بين تل أبيب والرباط. وقالت "القناة 12" الإسرائيلية في تقرير لها إن الرياض كان لها دور في عملية التحضير لاتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل.

وزعمت هيئة البث الإسرائيلية "القناة 13"، أن "السعودية انضمت إلى البيت الأبيض لتأمين صفقات التطبيع بين إسرائيل ودول أخرى، وتوقعت أن تكون إندونيسيا وسلطنة عمان التاليتين في تطبيع العلاقات"، مشيرة إلى إن "العملية تهدف إلى تمهيد الطريق لتطبيع إسرائيلي سعودي في نهاية المطاف، وهو أمر من غير المرجح أن يحدث في الأسابيع المقبلة".

لكن هيهات هيهات لما يقولون ويروجون، فالسعودية لديها موقف حازم ومبنى على أسس أخلاقية وسياسية ثابتة، وهو ما أكده رد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان على دعوات التطبيع، عندما قال: "كنا واضحين تماما بأنه من أجل أن نمضي قدما في التطبيع علينا أن نرى تسوية للنزاع الفلسطيني ودولة فلسطين قابلة للحياة على غرار ما تم تصوره في مبادرة السلام العربية عام 2002". وأضاف "بدون تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإننا لن نرى سلاما حقيقيا واستقرارا في المنطقة".

قناعتي الشخصية.. السعودية لن تقع في فخ التطبيع. لن تمنح إسرائيل صك الأمان، مهما تعرضت لضغوط. وسوف تستمر في "العض بالنواجذ" على عهد الملك الراحل البطل الشجاع فيصل بن عبد العزيز، الذي قال فيه: "حتى لو قبل جميع العرب بوجود إسرائيل وتقسيم فلسطين، لن ننضمّ إليهم أبداً".