تكاثف النشاط الدبلوماسي السعودي في الأسبوعين الماضيين، باتجاه دولتين عربيتين شقيقتين هما السودان والعراق. ويعكس هذا النشاط استئنافاً لعمل الدبلوماسية السعودية في مرحلة جديدة تشهدها المنطقة العربية.

فاستعادة النشاط الدبلوماسي السعودي مع العراق وعقد العديد من الاتفاقات في المجال الاقتصادي وفتح المنفذ الحدودي في عرعر من أجل استكمال كل عمليات التبادل التجاري بين البلدين، يعتبر عودة قوية .إلى جانب زيارة وفد وزاري سعودي إلى العراق في نوفمبر الماضي، وهي كلها جهود تهدف من طرف المملكة العربية السعودية للاستجابة إلى التعاون مع الجهود التي يبذلها رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، من أجل استئناف دور حقيقي لاستعادة الدولة في العراق والخطوات المتميزة الذي قام بها الكاظمي من أجل ذلك.
طبيعة الوفد الوزاري السعودي وتعدد وزراء الوزارات الخدمية والاقتصادية عكس الاهتمام السعودي الجاد في استثمار هذه الفرصة التي توفر للعراق استئنافاً للعودة إلى حاضنته العربية التي غاب عنها طويلاً، إلى جانب علاقات الجوار والدم والتاريخ. كما أن المملكة العربية السعودية وهي تضطلع بهذا الدور الذي تلعبه من أجل عودة العراق إلى حضنه العربي إنما تبذل جهودها في ظروف صعبة جداً ومتغيرا ت كثيرة تم فيها تجريف الدور العربي المشترك، بعد أن بدا واضحاً أن الدور الأكبر هو الذي تلعبه السعودية من بين كافة دول المنطقة العربية.

ففي الوقت الذي تقلصت فيه أدوار العمل العربي المشترك وخرجت عدة دول عربية مؤثرة من مشهد صناعة القرار العربي المشترك بدت السعودية لاعباً كبيراً في المنطقة العربية تعين عليه بذل جهود كبيرة من أجل توفير وضمان عمل عربي مشترك من واقع دورها الريادي كقوة اقتصادية اقليمية ودولية، وكشقيقة عربية كبرى تعين عليها هذا الدور الذي لا مفر منه من أجل بناء عمل عربي مشترك.
من جهة أخرى تبذل المملكة العربية السعودية مساع دبلوماسية مكثفة عبر حراكها جنوباً نحو السودان، ودعم مواقف الشعب السوداني في ظل الأحوال التي يمر بها السودان. لاسيما وأن زيارة وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان قبل أسبوع للخرطوم لتعزيز العلاقة بين البلدين، التي تزامنت مع دخول قرار رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حيز التنفيذ، حين صرح وزير الخارجية الأمريكي بومبيو و أعلن يوم الاثنين الماضي 14 ديسمبر رفع اسم السودان نهائياً من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

ومن المعروف أن للمملكة العربية السعودية ودبلوماسيتها دوراً كبيراً في الجهود التي بذلتها المملكة وراء الكواليس الدبلوماسية من أجل رفع اسم السودان من تلك القائمة. خصوصاً وأن جهود المملكة مع الولايات المتحدة في العام 2017 كانت هي وراء رفع العقوبات الاقتصادية جزئياً عن السودان.

هذا الحراك الذي تبذله المملكة من أجل تجديد أواصر العلاقات العربية وقيادة عمل عربي فيما يمكن استثماره في ملفات بينية كثيرة، سيظل استراتيجيةً ثابتةً للمملكة التي عرفت دبلوماسيتها التاريخية في العلاقات الخارجية بالدبلوماسية الحكيمة والرصينة، حيث حققت المملكة العديد من النجاحات الكبيرة مثل إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1990 ، وجهود المملكة الكبيرة والنوعية في دعم الكويت وتحريرها من الغزو العراقي الغاشم في العام 1990.

اليوم تستشرف المملكة العربية السعودية فصلاً جديداً في واقع جديد مليء بتحديات غير مسبوقة وأوضاع صعبة في أوقاتٍ بالغة الحرج والتعقيد. ففي هذه اللحظة العربية الراهنة التي تتصدع فيها الأوضاع العربية بوتيرة زائدة كان لابد للمملكة أن تستأنف حراكها الدبلوماسي والسياسي بما يضمن المصالح العليا للعرب.