عندما إصطدم الإخوان المسلمون في فترة حكمهم قصيرة العمر واحتلَّ محمد مرسي موقع رئيس مصر فإنهم ظنّوا بأنهم أصبحوا يرثون الأرض ومن عليها وكانت المفاجأة لهم ولأتباعهم ولمؤازريهم أنّ الجيش المصري الذي لم يستطيعوا إختراقه قد تحرّك في اللحظة المناسبة وأقصى رئيسهم لا بل وأودعه أحد السجون، وأعتبر ومعه غالبية المصريين هؤلاء تنظيماً إرهابياً، ولعلّ ما فاجأ حتى بعض كبار مسؤولي هذا التنظيم أنَّ مرشدهم العام محمد بديع الذي خلف محمد مهدي عاكف في هذا الموقع قد ذهب هرولةً إلى بريطانيا العظمى التي كانت هي منْ أنشأ هؤلاء بقيادة الشيخ حسن البنا عندما كانت تسيطر على هذا البلد، الذي كان ولا يزال أكبر دولة عربية، لمواجهة المدِّ القومي واليساري الذي كان ولا يزال في بداياته.

وحقيقةً أنها كانت مفاجأة أنْ يكون مركز هؤلاء لا يزال في بريطانيا، التي لا تزال وحتى بعد كل هذه السنوات الطويلة دولة عظمى، وأنّ مركز "الإخوان" لا يزال في بلد المنشأ، وهذا مع أنّ هؤلاء بقوا يبيعون للمسلمين في أربع رياح الكرة الأرضية "جهاداً" ومراجل ضد القوى اليسارية وضد الأنظمة التي كانت تعتبر "تقدمية" وهذا مع أنّ "تشكيلهم" في فلسطين والدول المجاورة بقي ينأى بنفسه عن المقاومة أي "الثورة" الفلسطينية التي كانت حركة "فتح" من أطلق رصاصتها الأولى في عام 1965.

ثم وإنّ المفاجأة كانت أنَّ "الإخوان"، التنظيم العالمي، قد أطلقوا حركة "حماس" كتنظيمٍ فدائي في قطاع غزة في الرابع عشر من ديسمبر عام 1987 وأن أول عملٍ "جهادي" له، كما هو معروف، كان الإنقلاب على حركة "فتح" وبالطبع وعلى منظمة التحرير والسلطة الوطنية، ثمّ، وعلى إعتبار أنه تنظيمٌ "إخوانيٌ" إنْ سابقاً وإنْ لاحقاً، فإنه ما لبث أن ألتحق بالتحالف الإيراني- التركي وأفشل كل محاولات توحيد الساحة الفلسطينية وأدار ظهره لكل الجهود التي بذلت على هذا الصعيد وفي هذا الإتجاه.

وهنا فإنه عليّ أن أشير إلى أنني كنت أحد المتفائلين بإنضمام "الإخوان" الفلسطينيين، الذين يعرفون بـ"حركة المقاومة الإسلامية" بقيادة "الإخواني" خالد مشعل إلى الثورة الفلسطينية وإلى منظمة التحرير وحقيقة أنه ثبت أنّ هذا "التنظيم الإخواني العالمي" بقيادة "إخوان مصر" لا يريد أنْ يكون "إخوانه" الفلسطينيين جزءاً من النضال الفلسطيني المسلح بل أن يكون في إطار هذا التحالف الذي أصبح يقوده رجب طيب أردوغان والذي يعتبر أنّ "مرجعيته" هي طهران ممثلة بـ"الولي الفقيه" على خامنئي.

وهكذا وما دام أنّ هذا هو واقع الحال فإنه أمرٌ طبيعي أنْ يلجأ المرشد الإخواني الجديد محمد بديع إلى بريطانيا التي هي الأم وهي من أوجد الإخوان المسلمين بقيادة حسن البنا وأنها بقيت تشكل ملاذاً لهم وأنه ثبت أن مركزهم الفعلي لا يزال في بلد المنشأ والمفترض أنه مركز حركة "حماس" أيضاً على إعتبار أنها تنظيمٌ "إخوانيٌ" وأنه لا علاقة لها بمنظمة التحرير ولا بالثورة الفلسطينية وإن رجب طيب أردوغان والمرشد على خامنئي أقرب إليها من محمود عباس (أبو مازن) ومن (أبو عمار) قبل أن يتوفاه الله وأيضاً وبالطبع أقرب من الدكتور جورج حبش ونايف حواتمة.. أليس كذلك؟!