يمر العراق اليوم بمنعطف تاريخي خطير اما ان يكون او لايكون! عليه ان يختار بين الدولة بمفهومها العالمي المتعارف عليه ذات سيادة وارادة وطنية مستقلة تقودها مؤسسات نظامية منضبطة جاءت بطرق شرعية وديمقراطية متبعة وبين اللادولة التي هي في الحقيقة دولة داخل دولة ؛ الدولة العميقة التي تقودها احزاب وميليشيات مسلحة تابعة لجهات سياسية وعقائدية غير منضبطة تعمل لصالح اجندات خارجية معروفة.

هاتان القوتان ؛ القوة الحكومية التي تقود البلاد ظاهريا وتنظم امورها وتحافظ على امنها بدافع وطني، والقوة الميليشياوية التي تقودها جهات وشخصيات دينية وسياسية معروفة نشأت بدافع طائفي! تتصارعان على السلطة ومراكزالقرار.
التفاوت الكبير بين القوتين واضح، حكومة الميليشيات تمتلك الخبرة العسكرية والقدرة القتالية الميدانية في العراق وسوريا وامام "داعش" وخاضت غمار الحرب الاهلية"الطائفية" عامي 2006 و2007 ومدعومة من ايران بشكل مباشر، اضافة الى التمويل الهائل الذي يخصص لها من الموازنة "فقد خصصت لميليشيات الحشد الشعبي موازنة بلغت نحو مليار و700 مليون دولار! عام 2019!" بينما لم تخصص اي ميزانية تذكر لقوات البيشمركة الكردية على سبيل المثال!

ولدى حكومة الميليشيات القدح المعلى في افشال او انجاح اي عملية سياسية اواقامة اي مشروع استراتيجي في البلاد، ناهيك عن هيمنتها شبه الكاملة على البرلمان والقرارات التي يصدرها، وهي قوية لدرجة ان امريكا بجلالة قدرها تحسب لها حساب!. بينما تفتقد القوات الحكومية الى الخبرة العسكرية والتجارب الميدانية.

ومنذ ان رفض رئيس الجمهورية"برهم صالح" تولي "اسعد العيداني" احد مرشحي حكومة الظل الطائفية في منصب رئيس الوزراء في ديسمبر عام 2019 ووضع استقالته امام البرلمان احتجاجا، بدأت العلاقة بين الطرفين الدولة والميليشيات تأخذ طابع التحدي العلني، وبمجيء مصطفى الكاظمي الى سدة الحكم تحول التحدي الى المواجهة ولو على نطاق ضيق ولكن بداية لتوسيع رقعتها وتحويلها الى مواجهة دموية وقد تحدث في اي لحظة وهذا اكيد لوضع الامور في نصابها الصحيح واقامة دولة وطنية غير طائفية عمادها النظام والقانون، ولو ان الكفة سترجح لصالح الميليشيات في حال لم تتحرك القوات الامريكية لدعم الحكومة الشرعية، وهذا اكيد. ربما ادرك الكاظمي حقيقة موقف حكومته الضعيف امام تلك الميليشيات التي اطلقت تهديدات مباشرة لشخص الكاظمي اعقبتها انتشار واسع لقواتها في شوارع بغداد في مشهد مرعب اعتبره البعض محاولة انقلاب! الامر الذي دفع بالكاظمي الى الخروج عن صمته ويقبل التحدي قائلا :"طالبنا بالتهدئة لمنع زج بلادنا في مغامرة عبثية أخرى، ولكننا مستعدون للمواجهة الحاسمة إذا اقتضى الأمر". ربما يدرك ان المواجهة مع هذه الميليشيات المنفلتة تحتاج الى مواجهة"حاسمة" وحازمة لوضع حد لاستهتارها بالقانون وحياة المواطنين وارهابهم، فلاينفع معها الطرق الدبلوماسية والحوار وانصاف الحلول، الحسم هو الطريقة الانجع لبسط سيادة القانون في البلاد واعادة الاستقرار والامن المفقودين. بينما الرجل يفكر في طريقة لانهاء الصراع، يبعث على جناح السرعة بوفد الى طهران "لمناشدتها التدخل لضبط المليشيات العراقية القريبة منها"..
الآن...هل عرفت من هو سيد الموقف في العراق ومن يقوده؟!