كثيرا ما يوصف المتلوّنون من البشر بانهم تزيّوا بزيّ الحرباء حينما تقتضي مصالحهم الذاتية ان يسلخوا جلدهم ويلبسوا جلدا اخر وفق تغيّر الاحوال وتبدل المآل لتمرير رغباتهم والحصول على مكاسب مادية او معنوية على حساب الضمير وقتل النزوع الانساني وصفاء الضمير .
فهم يرون ان لكل عصر لباسه ولكل حالة طرق اخرى للتكيف مع الوضع الراهن ، هؤلاء يحسنون المراوغة والمزاوغة واللعب على الحبال تحقيقا لمصالحهم الشخصية ومنافعهم الماديّة ؛ ضاربين عرض الحائط المواقف الملتزمة، تراهم ضاحكين وباكين معا في نفس المقام ، اما الموقف المبدئي الحازم والثابت فهو ضمير مستتر او غائب ولك ان تقدره كما تشتهي ، حيث يجوز الوجهان اذا تطلّب الأمر إخفاءه او إظهاره تبعا لمطامعهم ومتغيرات الاحوال.

فمثل هذه الاوهام ان صحّت عند نهّازي الفرص غير انها لا تصح لدى من يعتبر الانسان سويّاً ذا موقف مبدئي لا يتزحزح قيد انملة اذا تعارض مع ضميره اليقظ ومشاعره السامية وأحاسيسه الانسانية الراقية فما نفع المال والجاه والنفوذ اذا لوّثت نصاعة الانسان وأماتت ضميره وحسّه الانساني الذي بات لايميز بين الحق والباطل والصدق والكذب والشرف والرذيلة والعهر والطهر فالصفات النبيلة تعدّ من الثوابت التي لا يمكن تليينها او قصرها او قطع دابرها وثلمها مهما تغيّر الزمن وتبدّل المكان.

هناك اكثر من وجه شبه بين الانسان المتلوّن الانتهازيّ وبين الحرباء ؛ ليس في تغيّر لونها فحسب فمن المعروف ان عين الحرباء الخارجي مخروطيّ الشكل وبهذا تستطيع ان تدوّرها 360 / درجة دون ان تكلّف نفسها تحريك رأسها وهذا ما يفعله الانتهازي الذي يرى كل مايحيطه وماخلفه ليستعدّ على التكيّف وفق ماتنوشه عينه دون ان يحرّك رأسه ويميل بفكره الى رأي مصيب او قناعة لوجهة نظر صائبة فترى عقله يأتمر بما تراه انظاره من شهوات وزينة وتطمح اليه نفسه دون ان يشغل بصيرته ويميط اللثام عن روحه الانسانية الغائمة بالطمع والشراهة والانانية فيفقد روح الغيرية وتبرز أنانيته وهوسه لنيل كل ما تقع عليه عينه حراما كانت ام حلالا وهناك من الحرباوات ماهو عجيب وغريب اذ يمكنها ان تحرّك كل عين على حده وبشكل مستقل عن العين الاخرى تماما مثل انتهازيينا الذي يغمض احدى عينيه عن الحقائق ويفتح اخرى لرؤية مايمكن ان ترى نفسه من دنايا واوساخ الدنيا ليستحوذ عليها ويسرقها ، فعينه المفتّحة كعين " حرباء النمر " تنفذ ببصرها حتى تحت تاثير الاشعة فوق البنفسجية التي تعمي النظر.

اما لسانها الدبق الطويل الذي يضاهي طول جسدها فانه يمتلك قدرات هائلة وسريعة ليلقف فريسته بأسرع من لمح البصر اضعافا مضاعفة ويحسبه علماء الحيوان المختصون بدراسة اوضاع الزواحف بزمن ( ثلاثة بالمئة الف ) من الثانية الواحدة وهو مزوّد بمادة صمغية غرويّة تلتصق بالفريسة حتما ولامناص من نجاتها ابدا.

مثل هذه الحرباء نرى بعض الناس بين ظهرانينا ففي خزانة ملابسه كلّ الازياء ، جبّةٌ وعِمّةٌ وطيلسان وإزار ورداء في موسم الحجّ والعمرة مثلما نرى بدلات حديثة من إيف سان لوران وربطات عنق بألوان شتى للصالونات والحفلات حينما ييمم وجهه صوب البيت الابيض وربما سراويل كاوبوي اميركية في مزرعته العامرة بالخيول ، وفي الجانب الاخر من الخزانة عقالٌ ويشماغ وعباءة لمسامرة شيوخ القبائل في المضائف.

لامناص اننا وقعنا ضحية مخلوقات عرفت كيف تستحمّ في الوحل وتغوص في مستنقعات الرذيلة وتتكيّف مع الاوضاع السياسية المتقلّبة وتنحني لأية تيارات من الريح حتى لو خالطها السموم والهجير والروائح العفنة ولاتبالي بما يرى عقلها وتخالف ضميرها – ان كان ثمّة ضمير بقي لديها -- لتشبع حاجاتها اولا وأخيرا وتعمي بصرها وبصيرتها عمّا يعاني أبناء جلدتها من قهر وضيم وحيف مثل بهلوان يتقافز من حبل الى حبل ببراعة المتمرس الحاذق الذي يميل تبعا لاهوائه ومطامعه، ناسيا انه انسان يعيش لغيره مثلما يعيش لنفسه ولايتوانى عن سحق كل ماهو بهيّ في النفس الانسانية وقتل يقظة الضمير في اعماقه والانجرار نحو شهوات الجسد ونزوات النفس الشريرة الأمّارة بالسوء.

[email protected]