لن أخوض في تفاصيل يوم المرأة أو عيدها بقدر اهتمامي بأمرٍ آخر، ربما يُكَدِر هذا العيد ويفرغه من محتواه وهو أكثر أهمية ربما لأنه يتصل بشكلٍّ مباشر بحياة المرأة ووضعها في مجتمعاتنا الشرقية عموماً وباستثناءات لا تخضع للقياس العام، فمعظم من ينادي بحقوق (الحرمة) إنما يتجمل كذباً وادعاءً أو أنه يبغي منفعة لا علاقة لها أبداً بالنساء وخاصةً اللائي من حوله. حيث يمارس ازدواجية لا مثيل لها في إعطاء وجهين مختلفين تماماً، فهو ينادي في المحافل العامة بحقوق المرأة والمساواة وما إلى ذلك من كليشة المجتمعات المخملية التي ينفش فيها ريشه أمام نساء خلق اللّه، بينما يمارس دور دكتاتور شرقي مع زوجته أو معيته من بنات آدم وحواء.

هذه الاستثناءات ربما كما قلت لا تخضع في حجمها الحقيقي لأي قياسٍ يُذكر، والدليل على ذلك هو هذا الوضع المتردي لوضع النساء في ظل دولة تأسست منذ ما يقرب من قرن من الزمان وما زلن صاحبات تاء التأنيث الساكنة أكثر سكوناً من تائهن ومراوحة في مكانهن، بل قل معي إن أوضاعهن في تقهقرٍ مستمر منذ أصبحن يمثلن عقلية الرجل في مجلس النواب ويتبرع لهن بعدد محدود من المقاعد التي لا تمثل في حقيقتها إلا ثقافته، ومع جلّ الاحترام لمبدأ تمثيلهن في المجالس التشريعية إلا أن ما حصل ويحصل في بلاد كانت تتعامل مع النساء قبل خمسين عاماً أفضل بكثير مما هو عليه اليوم، ولعلَّ ارتفاع معدلات ظاهرة قتل النساء أو كما يطلق عليها انتحارهن يؤكد بما لا يقبل الشك دور الرجل الرئيسي في هذه المجازر المشرعنة تحت أبوابٍ شتى، فما من امرأة مقتولة أو منتحرة إلا وكان ورائها رجل دفعها للانتحار غصباً عنها وخارج إرادتها، وقد أكدت كثير من ملفات الانتحار النسائي إنهن قتلن بأسلوبٍ انتحاري، أي بمعنى وضع السم بالقوة في أجوافهن أو حرقهن، وقد استمعت ذات يوم قبل سنوات إلى اعترافات امرأة حول كيفية وفاة ابنتها المنتحرة، والتي انتشرت دعاية في القرية بأنها على علاقة برجل من غير دينها، قالت أمها إنّ والدها قال ادخلي ابنتك في الحمام وحينما أدخلتها إلى هناك كان يحمل صفيحة من النفط الأبيض سكبها عليها بالكامل ثم أشعل فيها النيران وقفل باب الحمام وأجبرني أنا أيضاً على مغادرة البيت، حتى عدنا بعد ساعات لكي نرى كومة من الفحم، وبالتأكيد قيدت القضية لدى القضاء الخاضع لأعراف البداوة والعشيرة ضد الفتاة ذاتها متهماً إيّاها بأنها قد انتحرت غسلاً لعار أبيها، وهناك الكثير الكثير من هذه الجرائم التي تقع في مجتمعاتنا تحت سقف العادات والتقاليد بينما يمارس القضاء أبشع أدواره في التستر عليها وإشاعتها تحت مبررات وأعراف بالية وكاذبة ليس إلا!

ويبقى السؤال الأكثر مرارة حول هذه الازدواجية القاتلة لدى كثير من الرجال والنساء في موضوعة الموقف من حقوق المرأة كإنسان يعيش في مطلع الألف الثالث، ويجبرها على الموت انتحاراً لأسباب واهية وكاذبة وخارجة عن الشرع الذي لديه آلية لو نفذت كما أراد الله لما شهدنا قتل امرأة كل قرن من الزمان، وبعد ذلك هل أن الربيع العربي والكوردي والإيراني والتركي وغيرهم ممن يشابهنا ربيعاً ذكورياً ليس إلا، وأن كل ما يحصل الآن هو مجرد تغيير في الأسماء والعناوين، بل أن ما يحدث اليوم في كل من العراق واليمن وسوريا وليبيا ووو يعيد النساء إلى حقل الحريم والقتل انتحاراً تحت مظلة أعراف وقضاء تقيّده قوانين الخيمة والصحراء والقبيلة والقرية!؟

[email protected]