من منا لا يحلم بالسَّلام الذي ينبغي أن يسود العراق ولكن!
غرد قداسة الحبر الأعظم البابا فرانسيس بعد لقاءه مع المرجع الشيعي آية الله السيستاني وقال: ( الله يُمْكنه أن يُحِل السلام في هذه الأرض. إنا نثق به ونقول مع كل أصحاب النوايا الحسنة "لا" للإرهاب وإستغلال الدين).
واضاف البابا في تغريدة اخرى بعد وصوله إلى إقليم كوردستان : (الأخوّة أقوى من قتل الإخوة، الرجاء أقوى من المَوت، السلام أقوى من الحرب. ولا يمكن أن تُخنق هذه القناعة في وسط الدماء التي تَسبب في إراقتها هؤلاء الذين يشوهون اسم الله ويسيرون في طرق الدمار) وقبل مغادرة العراق قال البابا : ( سيبقى العراق دائمًا في قلبي. أطلب منكم جميعًا، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أن تعملوا معًا متحدين من أجل مستقبل سلام وازدهار لا يُهمِل أحدًا، ولا يميز أحدًا. أؤكد لكم صلاتي من أجل هذا البلد الحبيب) .
على الرغم من تغريدات البابا الواضحة والصريحة وتاكيده على ضرورة التصدي لآفة الفساد وإستغلال السلطة والدين والقتل على الهوية وارتكاب الجرائم بحق المسيحيين والايزيديين والشعوب الأخرى غير المسلمة , إلا أن من يتابع تطورات الأحداث السريعة في العراق وخاصة بعد سقوط الصنم في 2003 , يسيطرعليه شعور باليأس والإحباط وفقدان الأمل بمستقبل أفضل. فيوم بعد يوم تتعاظم الازمات وتتعقد الاموروتتلاشى الحلول في ظل السلطة الفاسدة التي تتربع على دفة الحكم وتسعى جاهداً من اجل مصالحها الفئوية والحزبية الضيّقة والذيلية بانواعها ( المحلية والإقليمية والدولية ) .
عراق اليوم , هو عراق عليل وعليل جداً,يعاني من مشاكل و أزمات اقتصادية ، اجتماعية , صحية , تعليمية , ثقافية , دستورية، فساد سياسي وتحديات امنية كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي أهمها : انتشار المخدرات في العراق وانتشارالسلاح لدى الميليشيات والأجنحة العسكرية للأحزاب السياسية الداعمة من قبل الجارة السيئة ايران التي حولت العراق إلى حديقة خلفية لها عبر شراء ولاءات قيادات تسمى زوراً وبهتانا نفسها بالعراقية , إضافة إلى تداعيات الصراع الأمريكي الإيراني وتصفية حسابات الطرفين على الأراضي العراقية , حيث بدأت المليشيات الموالية لإيران منذ 2019 هجمات صاروخية عبرمنصات متنقلة لصورايخ على المصالح العسكرية الأمريكية في العراق ، ضمن خطة طهران لنقل المواجهة مع واشنطن داخل الأراضي العراقية . كما شنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية العام الماضي العديد من الهجمات، رداً على الهجمات الصاروخية التي شنتها إيران ومليشياتها على أهداف أمريكية داخل الأراضي العراقية.ولعل أبرز الردود الأمريكية العسكرية على المليشيات الموالية للجارة السيئة إيران كانت الغارة الأمريكية التي أسفرت عن مقتل سليماني والمهندس في الثالث من كانون الثاني عام 2020 , رداً على اقتحام السور الخارجي لمبنى السفارة الأمريكية في بغداد.
إضافة إلى الجارة السيئة إيران ,تعمل تركيا , الجارة الإقليمية الثانية للعراق , تعمل على توسيع نفوذها السياسي والأمني داخل العراق من خلال اجتياحها للأراضي العراقية بحجة محاربة الحزب العمال الكوردستاني .
أما اقتصادياً فحدث ولا حرج , حيث تبلغ الديون الخارجية للعراق نحو 23 مليار دولار, عدا الديون المعلقة لما قبل 2003 البالغة 40.9 مليار دولار، أما الديون الداخلية تبلغ نحو 40 ترليون دينار تمثل حوالات خزينة وسندات مخصومة لدى المصارف الحكومية والبنك المركزي العراقي .

التمنّي شيء والواقع شيء آخر:
كلنا رغبة وطموح إلى ايجاد السبل والوسائل للوصول إلى العدالة والسلم والامان و
التخلص من نظام التحاصص الطائفي والمذهبي والفئوي والحزبي الذي دمّر اقتصاد البلد وخرب النفوس وشوه العلاقات واغرق البلد بالفساد والبطالة والقتل المجاني والفقرالمدقع وأزمة مالية حادة ألقت بظلالها على جميع مرافق الحياة .
إن اساس المشكلة التي يعاني منها الشعب العراقي هي طبيعة السلطة( النخبة السياسية ) التي تحكمه وممارساتها القمعية وسياستها الطائفية المقيتة ، التي تقود العراق من أزمة إلى أخرى أكبر وأشدّ تعقيداً منذ عام 2003 إلى يومنا هذا .
نعم ..ان السلام لايتحقق بالتمنّي ولا بالقرارات الفوقية ولا بالمحاصصة الطائفية والإثنية، وان العدالة والمساواة للمواطن لاتتحقق إلا بمحاسبة قتلة الناشطين في الساحات والشوارع ، و حلّ المليشيات ونزع سلاح الجماعات المسلحة السائبة ,التي نفّذت ولاتزال تنفّذ أبشع الجرائم بحق الشعوب العراقية .
السلام تحققه التربية الاجتماعية والتعايش السلمي الحقيقي , كما يحققه تطبيق القانون واحترامه وليس العكس .
وهنا علينا ان نسأل انفسنا : هل يُمكن أن يبدأ طريق السَّلام في العراق في ظل حكم الذئاب البشرية الذين ارتدوا جلود الخراف ورسموا على وجوههم الكالحة ابتسامات مزوّرة ومزيفة زاعمين إن كلُّ شيء سيكون على ما يُرام واستقبلوا البابا فرنسيس بالورود واغصان الزيتون وبهتافات وعبارات التصالح والتسامح والعيش المشترك ؟ هل يعود العراق في ظل حكم الذئاب البشرية إلى أهله الحقيقيين الذين يطالبون بوطن حروشعب سعيد ؟
اخيرا اقول : شكراً بابا فرنسيس على زيارتكم الكريمة وتواضعكم الجم , لقد كنتم في زيارة أعظم شعب يعيش ومحكوم بسلطة طائفية وميليشياتية فاشلة وفاسدة .