لم يصلْ التطاول على العرب إلى ما وصل إليه من قِبل دولٍ هامشيّةٍ ولا مكان لها في الإعراب كما يقال وإلّا ما معنى أنْ تفعل "أثيوبيا" كل هذا الذي تفعله وتقوم بتحويل مياه النيل إلى السدِّ الذي أقامته وأعطته إسم: "سدِّ النهضة" وهي ليست بحاجةٍ فعليةٍ إليه وكأن المقصود هو ليس نكايةً بالسودان وفقط وإنما أيضاً بالدولة العربية الأكبر مصر التي توصف إنْ سابقاً في الزمن البعيد وإنْ لاحقاً حتى الآن بأنها: "هبة النيل"، وحقيقةً إنّ "أرض الكنانة" قد بنت كيانها وحضارتها ودورها القيادي في إفريقيا وأيضاً في بعض أجزاء قارة آسيا على هذا الأساس وهذه مسألةٌ معروفةٌ وواضحةٌ والمفترض أنه لا جدال فيها.

إنّ المعروف لو أنّ النوايا صافية، إنه كان بإمكان أثيوبيا، التي يعتبرها العرب دولةً شقيقةً حتى عندما كان إسمها "الحبشة" والتي كانت أولُّ هجرة مسلمين إليها، أن تتفاهم مع شركائها في مياه النيل وبخاصةٍ مصر والسودان بدل أنْ تلجأ إلى كلِّ هذا التصعيد الذي لا ضرورة له الّلهم إلاّ إذا أنها أصيبت بعدوى الذين باتوا يتصرفون على أساس أنّ الأمة العربية أصبحت تمرُّ بلحظةٍ تاريخيةٍ مريضةٍ وأنه بالإمكان إستغلال هذه اللحظة لتصفية حسابات سابقةٍ ولاحقةٍ معها، وحقيقةً أنه لا توجد مثل هذه الحسابات لا مع مصر ولا مع السودان ولا مع أيّ دولةٍ عربيةٍ لا قريبةٍ ولا بعيدة.

ربما إنّ ما فعلته "أثيوبيا" مقبولٌ من إسرائيل وأيضاً من إيران في هذه الفترة وفي هذا العهد أمّا أنْ تلجأ "أثيوبيا" إلى هذا الأسلوب الإستفزازي وهي تعرف أنّ لها مصالح كثيرة وأساسية إنْ ليس مع العرب كلهم فمع بعضهم، ولعلَّ ما لا يعرفه بعض "الأثيوبيّين" هو أنّ إستهداف مصر يعتبر إستهدافاً للأمة العربية كلها، وهذا ينطبق على السودان الذي أعطى لهذه الأمة قدرات فاعلة ورجالاً وصفهم الماضي والحاضر بأنهم طلائعيّون وقدموا الكثير لأمتهم إنْ في فترات اليسرة وأيضاً إنْ في مراحل العسرة.

وهنا فإنه على الأشقاء "الأثيوبيّين"، نعم الأشقاء، أنْ يأخذوا بعين الإعتبار أنهم بحاجة إلينا كما أننا بحاجة إليهم وأنّ "النيل" العظيم يجب أنْ يكون جامعاً ومقرباً وليس مفرقاً ومبعداً وأنّ هذا الحاضر يجب أن يكون جزءاً من الماضي وهنا ويقيناً لو أنه بالإمكان وضع "الفرات" مكان النيل لما تردّد عرب العراق وكُرْده وعرب سوريا "القطر العربي السوري"، الذي تعرفونه وتخرّج كثيرون من الأشقاء الأثيوبيّين من جامعاته ومعاهده، في أنْ يقدموا هؤلاء الأشقاء على أنفسهم وأنهم لن يفعلوا "إطلاقاً" ما فعله هؤلاء الأخوة الأعزاء مع إخوانهم!!.

وهكذا فإنّ المعروف أنه لا يجوز إطلاقاً القفز من فوق العلاقات التاريخية بين الجار العزيز وجاره الأعز وبخاصةٍ وإنّ هذا "النيل" يجب أن يكون جامعاً وليس مفرقاًّ وهو كان جامعاً ولم يكن مفرقاً ومن عهد الفراعنة والأحباش وحتى هذا العهد، وكان قد ارتوى بمائه الطاهر أولُّ العرب الذين كانت وطأت أقدامهم وقلوبهم الأرض الأثيوبية وهذا تاريخٌ يجب أن نعلمه لأبنائنا وأحفادنا كما كان علّمه أولئك الذين عبروا البحر الأحمر وأحتموا بـ "نجاشي" .. "الحبشة" لأبنائهم وأحفادهم وإلى أن وصلت هذه الرسالة العظيمة إلينا وإلى أشقائنا الأثيوبيين "الأحباش" بعد كل هذه السنوات الطويلة.