بسقوط نظام الرئيس صدام حسين سنة الفين وثلاثة، لم يحمل بشائر خير وتغيير ايجابي لصالح العراقيين، بل على العكس حمل عنفا وقتالا مذهبيا وغزوات ارهابية ومظاهر خراب ودمار كبيرين، وتغلغل سلبي لنفوذ الدول المجاورة في كل المفاصل العامة لسلطة الدولة العراقية، ومع ارساء السيطرة الاجنبية على الموارد الاقتصادية والمالية والتجارية، والتأثير على القرار السياسي العراقي لصالح خدمة مصالح الدول الاقليمية، وتشكيل مجاميع عسكرية واقتصادية وتجارية لنوايا واهداف غير عراقية لاستعمالها حسب الظروف وحسب توقيتات معينة كوسائل ضغط على قرارات مصيرية لاستخدامها بغرض خدمة مصالح الدول المجاورة.
والمملكة السعودية في عين الوقت تعرضت الى ضغوطات اقتصادية ومالية وتجارية من جهات دولية، وتعرضت الى تهديدات امنية وعسكرية من دول اقليمية دون اسباب عقلانية ومنطقية، وفرضت عليها حروب اقتصادية وعسكرية مثل حرب اليمن، وذلك رغم سياسة الاعتدال والحكمة المتبعة من قبل القيادة السعودية في ادارة شؤون شعبها، وفي تجنب المملكة والمنطقة من اللهيب المتطاير من الازمات الاقليمية المفتعلة في المنطقة منذ عقود.
واعتمادا على هذه القراءة، نجد ان اكثر الدول التي تضررت بدرجة اساسية في المنطقة وخاصة الخليج هي بالدرجة الاولى العراق وبالدرجة الثانية السعودية، رغم ان المملكة لم تكن لها ناقة في اغلب الازمات والصراعات الدولية المفرضة على المنطقة، وخاصة الحرب الايرانية العراقية، وحرب غزو نظام صدام للكويت، وحرب الولايات المتحدة سنة الفين وثلاثة لاسقاط نظام الحكم العراقي.
ولا شك ان الكثير من المشتركات تجمع بين المملكة والعراق، مثل العدد الكبير للسكان، وتنوع الموارد الاقتصادية، وضخامة الاحتياطات النفطية، والحجم الكثير للموازنة السنوية، ووجود موراد بشرية علمية وفنية، ووفرة المساحات الزراعية واعداد كبيرة من الثروة الحيوانية، ووفرة الموارد المائية النهرية والبحرية، والتمتع بقوة عسكرية قوية بجميع تشكيلاتها البرية والجوبة والبحرية، وغيرها من المشتركات الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والثقافية بين البلدين.
ولغرض الاستفادة من تلك المشتركات، واستثمارها في ارساء العلاقات القائمة بين العراق والمملكة على اساس متين، لابد من تحفيزها وتنشيطها وتحضيرها واقامتها على اسس استراتيجية لخدمة الشعبين السعودي والعراقي ولخدمة المصالح العليا للدولتين، ولخدمة شعوب المنطقة، ولخدمة ضمان سلام دائم وبناء عامر في دول المنطقة، واسترشادا بهذا المنطق فان عملية اقامة تحالف استراتيجي بين البلدين الجارين، اصيح من الضرورات الوطنية للدولتين، حكومة وشعبا، ويمكن طرح تركيبه وتكوينه كما يلي:
(1): الاعلان عن اقامة سوق اقتصادي مشترك بين المملكة والعراق مستفيدة من التجارب الاقتصادية العالمية والدولية كتجربة السوق الاوربية المشتركة، واخضاع جميع الموارد الانتاجية والتجارية والزراعية والصناعية المشتركة لخدمة السوق المشتركة بين البلدين.
(2): تبني خطة دفاعية مشتركة تحت قيادة عسكرية موحدة للبلدين وبتمويل 75% من المملكة و25% من العراق، وبغض النظر عن القوات العسكرية القائمة للدولتين، وذلك من خلال تشكيل قيادة باسم (القيادة السعودية العراقية المشتركة) وعلى ان تتشكل من عدة فرق من القوات المسلحة وكالتالي: فرقة اليات مدرعة قائمة على احدث المدرعات العسكرية، وفرقة اليات دبابة قائمة على احدث الدبابات القتالية، فرقة مشاة خاصة بقوات عسكرية مدربة ومجربة قتاليا، وفرقة مشاة خاصة بقوات البيشمركة من اقليم كردستان مدربة ومجربة بالقتال وخاصة من قوات حزب الطالباني لتمتعها بتجارب قتالية كبيرة مع تنظيم داعش الارهابي في الهضاب والوديان والمناطق الجبلية والسهلية، وقوتين منفصلتين للقوة الجوية والقوة البحرية تمتلكان احدث الطائرات الحربية والبواخر العسكرية.
(3): اقامة تعاون ثقافي وعلمي متين، وتبني خطة مشتركة لنقل وتبادل العلوم والمعاارف وتنمية المؤسسات العلمية بين البلدين، وقبول مشترك للطلاب في مراكز ومعاهد وجامعات الدولتين، وتأسيس جامعة سعودية للعلوم والتكنولوجيا في العراق وجامعة كمثلها عراقية في السعودية.
(4): تبني خطة دبلوماسية وعسكرية مشتركة بعد تشكيل القيادة اعلاه، للقضاء على الحرب الجارية في اليمن وتخليص السعودية والمنطقة من حرب مدمرة تديرها قوة اقليمية لنوايا مذهبية خاصة، ولمحاربة والقضاء على تنظيم داعش الارهابي في العراق بالتنسيق مع قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
(5): ارساء وترسيخ الاثار الايجابية للتحالف الاستراتيجي بين المملكة السعودية والعراق مع دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك لحماية شعوب البلدين والخليج من التهديدات والتوترات الصادرة من دول اقليمية لا تبحث عن الاستقرار والسلام، واقامة ردع عسكري واقتصادي بقيادة المملكة والعراق للوقوف ضد التهديدات والتوترات الاقليمية القائمة في المنطقة.
باختصار ما ورد اعلاه اقتراحات ناتجة من قراءة الدور الكبير للملكة السعودية والعراق في المنطقة، وهي لبنات اساسية لاقامة علاقة وتحالف استراتيجي متين بين البلدين على اساس موارد اقتصادية وعسكرية وتنموية علمية متقدمة، والقيادة الحكيمة للمملكة تمتلك الرؤية البصيرة للتعامل مع القيادات العراقية في تحديد اطار هذا التحالف وارسائه وفق منظورات استراتيجية ليكون ستارا منيعا للبلدين من اجل البناء والسلام والتنمية، وذلك لاقامة اسس متينة تخدم مصالح الشعبين بالحاضر والمستقبل، وما الأمل الا الاستبشار بالخير لاقامة هذا التحالف النابع من الضرورة المصيرية المشتركة للدولتين الجارتين والحاملتين لاكثر المراقد والمقامات قدسية للمسلمين في العالمين الاسلامي والعربي، والله من وراء القصد.

كاتب صحفي منن اقليم كردستان العراق