حتى وإنْ تمكّنت الفصائل الفلسطينية "لملمة" تبعثرها في إجتماع القاهرة الأخير فإنه لا يمكن الإطمئنان إلى أنّ هذا العقد لنْ ينفرط قبل إجراء الإنتخابات التشريعية في أيار المقبل والإنتخابات الرئاسية في تموز الذي يليه، فقد جرت العادة أنْ "تُفرط" التدخلات الخارجية كل ما تمّ الإتفاق عليه وبخاصة وأنّ حركة "فتح"، التي كانت ولا تزال هي قائدةُ هذه المسيرة التاريخية العسيرة، قد زادت أوجاعها وجعاً جديداً وأنّ الشرخ التنظيمي والسياسي الذي أصابها يحتاج رتقه، وهذا إنْ توفرت نيّةٌ صادقة للرتق، إلى وقتٍ لتصافي القلوب، التي غدت متورمةً بأحقادٍ يبدو أنها قد بدأ تراكمها في آخر أيام (أبو عمار)، رحمه الله، وعندما تعزّزت قناعات أقرب المقربين منه بأنه بات مغادراً لا محالة.
إنها ليست المرة الأولى التي باتت فيها حركة "فتح" أمُّ الثورة الفلسطينية المعاصرة تعاني من جرحٍ تنظيمي راعفٍ فالتدّخل العربي، تدُّخل الدول التي كانت تعتبر نفسها الأكثر قومية والأكثر وطنية وأيضاً والأكثر حرصاً على فلسطين، قد بادرت وأكثر من مرةٍ إلى نسف هذه الحركة وتمزيقها من الداخل فحصة العراق كانت صبري البنا (أبو نضال) وحصة: "سوريا الأسد" كانت ما سمي: "فتح الإنتفاضة" بقيادة "أبو موسى" و"أبو خالد العملة" وبالطبع فإنّ العقيد القذافي كانت له "حصته" أيضاً في محاولات تدمير الثورة الفلسطينية وشرذمتها وكان أحمد جبريل (أبو جهاد) صاحب: "الجبهة الشعبية – القيادة العامة" أحد أرقامه الرئيسية في هذا المجال.
وكان ردُّ (أبو عمار) على كلِّ هذه المحاولات التي لم تتوقف على الإطلاق منذ ذلك الوقت المبكر إنّ "فتح" رقماً لا يقبل القسمة وحقيقةً أنّ هذه الحركة كانت ولا تزال رقماً لا يقبل القسمة وإنّ إنشطاراتها كلها الجديّة والفعليّة وأيضاً "التشويشيّة" قد فشلت فشلاً ذريعاً وإنّ ما يعزّز هذه القناعة هي النهاية المأساوية والمعيبة التي إنتهت إليها محاولة صبر البنا (أبو نضال) وأيضاً ومحاولة الثنائي: سعيد مراغة (أبو موسى) وموسى محمود العملة (أبو خالد) ومعهما في البدايات نمر صالح (أبو صالح) الذي من المعروف أنه كان عضواً رئيسياً في الحركة "الفتحاوية" وأنه كان يحظى بتقدير وإحترام الأوساط الفلسطينية.
وهنا فإنّ هذا الإستعراض كله لا علاقة له بما حصل مع الصديق العزيز ناصر القدوة الذي ما كان يجب أنْ تصل الأمور لا بالنسبة إليه ولا بالنسبة لمؤسسة عرفات التي يرأسها إلى ما وصلت إليه، وحقيقةً أنه كان يجب تفادي كل ما حصل وبخاصة وأنّ المعروف أنّ إبن شقيقة (أبو عمار) قد تبوأ مراكز عليا متعدّدة في حركة "فتح" وفي منظمة التحرير وأنّ المعروف عنه أنه عفيف اللسان وأنه نظيف اليد وأنّ مسيرته النضالية قد بدأت مبكراًّ في الحركة الطلابية الفلسطينية وإستمرت في مواقع قيادية رئيسية متعدّدة من بينها عضوية اللجنة المركزية لحركة "فتح".
وهكذا ورغم كل ما حصل فإنني على قناعةٍ بأنّ الرئيس محمود عباس المعروف بحرصه الشديد على المناضلين الفلسطينيين وعلى وحدة حركة "فتح" والمعروف "بسعة صدره"، كما يقال، سوف يتدارك الأمور وسوف يعالج هذه المسألة كما عالجها في مرةٍ سابقةٍ وبخاصة وأنّ هذا المناضل الكبير ناصر القدوة معروفٌ عنه أنه غير محسوبٍ وعلى الإطلاق على أيّ دولةٍ عربيةٍ ولا على أيٍّ من مراكز القوى في هذه المنطقة وهذا معروفٌ لكل الذين يعرفونه ومعروفٌ لزملائه كلهم وللشعب الفلسطيني.. وبالطبع وقبل هؤلاء جميعاً للرئيس: "أبو مازن" الذي بقي مرافقاً لهذه المسيرة العسيرة كقائدٍ كبيرٍ وفاعلٍ على مدى كل هذه السنوات الطويلة.