أصدقكم القول قرّاءنا الأعزاء ان من أجمل مَن اطلّ عليّ زائرا قبل بضعة ايام هو صديق اكاديمي ضليع أحبه ويحبني منذ الفتوة ومازلنا أصدقاء اقرب الى الالتحام العاطفي والنفسي وقد نكون أكثر عمقا من المثَل السائر عند العرب حينما يقولون عن اثنين تحابّا في الله حبا خالصا خاليا من شوائب الطمع والتسلق والغايات والمصالح الشخصية السائدة هذه الأيام ، ويمكنني ان اقول بوضوح اننا صديقان لا يفترقان مثل مالك وعقيل كما يقول مثلُنا العربيّ الشائع .
جاءني صديقي المسنّ الذي تجاوز السبعين عاما بهيّ الطلعة نشطا سعيدا ممتطيا دراجته الهوائية قاطعا مسافة تقترب من سبعة كيلومترات من بيته الى بيتي وهو في افضل حال لم يأخذ منه الانهاك الاّ نفَسا متقطعا سرعان ما استعاد توازنه بعد ان سقيته قدحا من خير ماء دجلة وشايا أخضر مما اعتدنا تناوله معا .
لم أره قبلا يستخدم الدراجة الهوائية في زياراته لي ؛ فهذه الظاهرة الصحية والممتعة معا غير سائدة لدينا وقد تكون معيبة على الرجال الكبار والنساء باستثناء الفتية الصغار والشباب مع انها شائعة في اغلب المجتمعات المتحضرة وغير المتحضرة ؛ وأعجب لماذا العزوف عنها فهي ترويض للجسد أولا وللنفس ثانيا وتخفيف من عبء الزحام الذي اخذ يتفاقم في الآونة الأخيرة في مدينتي بغداد ، اضافة الى انها وسيلة نقل نظيفة تُشعر الانسان بالسعادة والمتعة الفائقة ؛ لكنها مع الاسف غير مألوفة عندنا وقد يتعرضّ راكبها الى التندّر والسخرية والاستهزاء خاصة اذا كان الرجل مسنّا او امرأة تريد التنقل بدراجتها هنا وهناك من اجل التسوق او ممارسة الرياضة بواسطتها ولا ادري بالضبط ماهو العيب من امتطاء آلة جميلة ترويضية تبعث في النفس الراحة وانشراح الصدر والتسلية ورؤية الفضاء الطلق المفتوح والاستمتاع بمرأى الشوارع ومعالمها مما يبعد التوترات والضغوط النفسية التي يتسم بها معظم العراقيين اكثر من غيرهم ؛ عدا عن منافعها الجسدية في إحراق الدهون وتقوية العضلات وتنشيط الرئة والأطراف وتحسين عمل عضلات القلب والشرايين وتنشيط الدورتين الدمويتين .
يقول لي محدثي الصديق الزائر انه منذ الان سيقود الدراجة ولم يعد يتركها فهي بمثابة صالة رياضية متنقلة ؛ فجولةٌ جميلة مجانية على الدراجة بلا تاكسي (السايبا) الواهنة الايرانية الصنع الشائعة عندنا وبدون الاستماع الى لغو بعض سوّاقها النزقين للوصول الى مبتغاك لمدة خمس عشرة دقيقة تعدل ساعتين ترويض في الصالات والنوادي الرياضية التي تستنزف أجورها جيوبنا شبه الخاوية اضافة لما تتيحه الدراجة من متعة القيادة في الهواء الطلق والتخلص من اختناقات الطرق التي لا تطاق والترويض المجاني للجسد وتحريك العضلات والمفاصل وتخليصها من التكلسات وإنقاص الوزن ووسيلة هامة للحفاظ على اللياقة البدنية والنفسية على السواء .
ليتنا نهدأ من جعجعة وهدير وضجيج السيارات التي كثرت بشكل مهول وغير مدروس وأزير المحركات النافثة للعوادم ونتخلص من الإهدار المفرط في الوقود غير النقي بسبب احتوائه على كميات مخيفة من الرصاص والذي نستعمله الان بعكس الدول المتقدمة الأخرى التي لم تعد تستخدم هذا النوع السام والملوِّث في بلادنا .. ولا أخفي سرّا ان اذكر ان ما يقارب مليون لتر من البنزين يهدر يوميا بسبب الزحام ووقوف السيارات في طوابير السيطرات والحواجز الأمنية وماكنتها لا تنطفئ اثناء الخناق المروري الذي أضحى شبه دائم في الشوارع والساحات في بغداد وحدها .
لا أحد يتحرج من سكان الدول المتحضرة من امتطاء الدراجة ، بل شاهدنا مرارا الرؤساء والمسؤولين الكبار يتخذونها وسيلة نقل جاذبة وممتعة وهناك جزء من الطريق قد خصص لها ، وأغلب المسؤولين لم يعودوا يستخدمون سيارات الدولة المخصصة لتنقلاتهم وفضّل الكثير الاستعانة بالمترو والنقل العام لكن الأعمّ الاغلب منهم ارتأى ان يمتطي دراجته للتنقل من وزارته الى البيت وبالعكس، فما أحرانا ان نحذو حذوهم ، وما الضير ان نكسر طوق الخجل والتردد ونحزم أمرنا على ترويض أجسادنا وأنفسنا باستخدام الدراجة الهوائية حالنا حال شعوب العالم عسى ان يقتدي بنا نوابنا ومسؤولونا ووزراؤنا ليتركوا أرتال سياراتهم بزعيقها وصفير انذارها واستحواذها على الطريق وشلّة حماياتهم المرعبة وهي تصيح بهذا وتطيح بذاك من اجل فسح المجال لها وليتهم يكونون قدوة لنا ليركبوا دراجاتهم الهوائية مثل أقرانهم زعماء الدول الاخرى ونتعلم منهم وهذا مانتمناه مع اني اعلم علم اليقين بان مثل هذا التمني لا يعدو كونه رأسمال المفلسين والواهنين وبالأخص في بلادنا التي لا تريد ان تعلّم ابناءها الميّزات والصفات الحسنة .

[email protected]