لم يلغِ الإتفاق النووى الذى تم التوقيع عليه في 2015 بين إيران ومحموعة خمسة زائد واحد حق إيران فى إمتلاك القوة النووية فى المدى البعيد، بل كل ما نص عليه التأجيل فترة زمنيه. بالمقابل إستفادت إيران من المزايا والإعفاءات الإقتصادية ورفع العقوبات، وهو ما يعنى رفع قدرات النظام السياسى الإيرانى وقدرته على الإستجابة وتقويته فى مواجهة اى معارضه، وزيادة قدراته فى دعم الجماعات الداعمه له فى أكثر من دولة عربيه، ومن ثم زيادة نفوذ إيران الإقليمى كما نرى فى اليمن وسوريا ولبنان وفلسطين.

الإتفاق لم يعالج مناطق النفوذ والتمدد الإقليمى فى أكثر من منطقه، بل زاد من قدرات النظام على تطوير وإمتلاك الأسلحة المتقدمة مثل القدرات الصاروخية البالستيه. والنتيجه التى ترتبت على الإتفاق الذى تم التوصل إليه منح إيران إمتيازات كثيره سمحت لها بتطوير قدراتها العسكرية وزيادة أنشطتها الإقليمية، ولم يقود للإستقرار الإقليمى، بل أدى إلى مزيد من التوتر والتصعيد وفتح بابا واسعا أمام خيارت الحرب مع إسرائيل كما رأينا فى العديد من الهجمات وآخرها إستهداف سفنا للطرفين. وكان هذا دافعا لإدارةترامب السابقه بالإنسحاب من الإتفاق وفرض عقوبات شامله، وما شكلته من ضربة قويه لإيران لأنها تمس قدرات النظام وشرعية ومصداقية قدرته على الإستجابه، والحفاظ على النظام يعادل إمتلاك إيران للقوة النووية، وفرضت واقعا لا يمكن العودة معه للإتفاق الأصلى لتغيرات لحقت ببيئة ألإتفاق فى الخمس سنوات الأخيرة.

وهنا تكمن إشكالية التفاوض فى الوصول إلى إتفاق جديد. إيران تريد المفاوضات وتريد ألإتفاق فى صورته ألأصليه ورفع العقوبات الإقتصاديه. وإدارة الرئيس بايدن ودول الإتفاق الخمسة ألأخرى تريد أيضا المفاوضات ولكن مع مراعاة ما أستجد من تطورات لحقت بالإتفاق الأصلى، وتبدى مرونه بالنسبة للعقوبات، وهنا نقطة الإلتقاء المشتركه التى يمكن البناء عليها، وهذا ما عبرت عنه مباحثات فيينا الأخيره، وحصول تقدم بطئ يمكن أن تفتح معه نوافذ كثيره.

لا شك أن إيران قد نجحت فى تبنى إستراتيجية الصمود أو الصبر الإستراتيجى، وحدت من تأثير العقوبات، وقادره على الإستمرار ولو كان ذلك على حساب المواطن، ونجحت أيضا فى تنويع علاقاتها الإستراتيجية وخصوصا الإتفاق الإستراتجيى الأخير الذى وقعته مع الصين، وهذه قللت أو أقشلت الهدف من سياسات ترامب التى كانت تهدف إلى تقليص قدرات النظام فى تمويل سياستها الخارجية وتمويل وكلائها فى المنطقة مما قد يلزم النظام على القبول بالتفاوض على إتفاق جديد كما تريد أميركا.

هذه العلاقات تقوى من موقفها التفاوضى، لكن فى النهاية ستكون غير قادره على حفظ نظامها وهذا ما يقلقها. والولايات المتحده أيضا غير قادره او لا ترغب فى ذهاب خيار الحرب إلى حرب إقليمية شامله يمكن أن تطور إلى أبعد من ذلك. هذه أوراق تفاوضيه يملكها الطرفان الرئيسان إيران والولايات المتحده. وفى فى النهاية ستقود لإتفاق يراعى هذه الوقائع والمستجدات، فلا يمكن تصور ان تتراجع إيران وتقبل بكل ما يملى عليها، ولا يمكن ان تقبل الولايات المتحده بكل ما تريده إيران، مع مراعاة أن هناك مطالب جديده لا يمكن تجاهلها لدول المنطقة وإسرائيل التى لن تسمح بشكل اى آخر ان تملك إيران القوة النووية لما لذلك من تهديد لبقائها ووجودها، هذه التطورات لا تكون بعيده عن صانعى القرار.

بالنسبة لإيران لن تخسر كثيرا من التراجع لأن هدفها العودة للإتفاق ألأصلى مقابل رفع العقوبات الإقتصادية وعدم مناقشة القضايا الأخرى. والولايات المتحده تريد إتفاق لن يكون بعيدا عن الإتفاق الأصلى تحقق به الإدارة الجديده إنجازا سياسيا فى المنطقة.

هذه التصورات والتوقعات المشتركه هى من تفتح الطريق للمفاوضات والوصول إلى مناطق مشتركه. ففى النهاية المفاوضات لتنجح لا بد من تقديم تنازلات من الطرفين، وهذا ما يمكن توقعه بالنسبة لكثير من مطالب إيران وهو ما يخلق حالة من القلق لدول المنطقة التى ستدفع الثمن السياسى لأى إتفاق يعقد ويتم التوصل إليه، ويبقى ان خيار التفاوض هو الخيار الوحيد المتاح بين إيران أميركا، وكل منهما تبحثان عن إستراتيجية حفظ ماء الوجه، والإدعاء انهما حققتا ما تريده.

أخيرًا إيران هدفها الحفاظ على الكثير من المكتسبات التى حققتها إقليميا وأهمها الإعتراف بها دولة قوه إقليميه، والحفاظ على مناطق نفوذها فى المنطقه.