تختلف صورة الذاكرة عن نظيرتها الصورة الماديَّة، أي تلك التي نلتقطها بالكاميرا ونحتفظ بها في ألبوم الصور، وذلك من حيث ارتباطها الوثيق بالحالة الانفعاليَّة المُلتصقة بها، والتي تتحرَّر تلقائياً لدى ملامستنا لتلك الصورة ذهنيَّاً.
إنَّ وجه الاختلاف كامنٌ في الحالة الشعوريَّة أو الحسّية المُعتصمة بالصورة، وهذا ما يجعل الصورة الذهنيَّة المُخزَّنة صورةً حيَّةً.
هذه العلاقة القائمة ما بين الصورة الذِّكرويَّة والحالة الانفعاليَّة؛ تطال جميع الذكريات والصور الذهنيَّة المُحتجزة، العائمة منها أو المكبوتة في أسفل قاع الذهن.
غير أنَّ الآثار الذكرويَّة المقموعة والمُحيَّدة منذ زمن، لها بعض الخصوصيَّة لدى ملامستنا إياها وتحريرنا للمشاعر المرتبطة بها، حيث إننا بذلك الفعل نُخلِّص منطاد شخصيتنا من أثقل أكياس الرمل التي تُعيق انطلاقه وتشدُّهُ نحو الأسفل.
ولا بدَّ لهذا الارتباط الذهنيّ، ما بين الصورة والحالة الحسيَّة المرافقة لها، من أن يكون متجانساً، فارتباط صورة ثمرة الليمون، على سبيل المثال، بسيلان اللعاب والإحساس بطعم الحموضة، أمرٌ طبيعيٌّ ومنطقيٌّ، ولكن قد يحدث أحياناً أن يقوم الدماغ بربطٍ خاطئ ما بين الصور والمشاعر، فيقوم بلفقِ صورةٍ ما بحالةٍ انفعاليَّةٍ لا تناسبها ولا تنتمي إليها، فيظهرُ هذا العيب مستقبلاً على شكل مخاوفَ من أشياء لا تستوجب هذا الخوف، أو يبدو على شكلِ فرحٍ وإحساسٍ بالسعادة لدى رؤيةِ شيء لا يوحي بهذه المشاعر ولا يُبرِّرها! كخوف أحد التلامذة من ذرَّة اليورانيوم التي باتت تُطارده حتى في أحلامه منذ أن سمع عنها وعن خصائصها أول مرَّةٍ في درس الفيزياء! أو خوف بعض الأشخاص من مشاهدة شلَّال الماء على شاشة التلفاز!
إنَّ هذا الخوف اللامنطقيّ، وغير المُبرَّر، يعود إلى الارتباط غير المتجانس الحاصل بالخطأ ما بين الأثر الذكرويّ المُتَمثِّل بصورة الماء المُنسكب من الأعلى، وبين حالة الخوف المُقتَطعة من مشهدٍ آخر مختلف كليَّاً. حيث إنَّ الدماغ، لسببٍ ما، قد قام بلفقٍ خاطئٍ ما بين الصورة والإحساس. فبات مشهد الماء المُنسكب بقوَّةٍ يوحي بالخوف والقلق المُنتميَيْن أصلاً إلى حدثٍ آخر يستوجب فعليَّاً هذا الفزع.

(*) ملفوق: مصطلح استخدمه فرويد لوصف عملية الربط الخاطئ عبر دمج وخياطة عنصرَيْن غير متجانسَيْن مع بعضهما بعضاً، كما لو أنك تقوم بضع طابع بريدي لا يمتُّ بأي صلةٍ للمغلَّف المُراد إلصاقه عليه.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.