من الصعب، بل من المستحيل أن تجد دولة من دول العالم لا يتكون شعبها من خليط من القوميات والأعراق والإثنيات والأديان، ودول العالمين العربي والإسلامي ليست باستثناء. هذا الخليط قد يكون مصدر قوة لدولة ما، وقد يكون مصدر ضعف وسببا لحروب أهلية، وربما التقسيم لدولة أخرى. وهذا كله يعتمد أساسا على كيفية تعامل السلطة الحاكمة مع التنوع أو الخليط.

الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية – أو ما يطلق عليه بالعالم المتحضر – اختزلوا هذا الخليط في وعاء واحد أطلقوا عليه مفهوم المواطنة، حيث اعتمدوا المواطنة كأساس وركيزة في التعامل والتفاعل بين المواطن والسلطة، وأن الحقوق والواجبات متساوية، ولا يوجد تصنيف لمواطن من الدرجة الأولى وآخر من الدرجة الثانية أو الثالثة. وأن الدولة تتحمل المسؤولية الكاملة في توفير مستلزمات الحياة الضرورية والكريمة لجميع مواطنيها على قدم المساواة، وتضمن لهم جميعا ممارسة أديانهم ومعتقداتهم في حدود ما يرسمه القانون.

في المقابل، على المواطن ان يعطي ولاءه الشخصي الأوحد والتام لوطنه بدلا من الولاء للطائفة او العشيرة او القبيلة. ويرجع الفضل هذا كله الى الفلاسفة والمفكرين في تلك الدول الذين استنبطوا مفهوم المواطنة منذ عدة قرون، وطوروه وأضافوا عليه على مدى السنوات ليكون أساسا في إطار ما يعرف في عصرنا الحاضر بمفهوم المجتمع المدني بمعناه الواسع والشامل. وكانت النتائج حماية اوطانهم من الحروب الأهلية والعنف، وتوجيه طاقات المواطنين البدنية والعقلية نحو خدمة وتطوير بلدانهم.

أما دول العالم الثالث ومن ضمنها دول العالمين العربي والإسلامي، لم تستطع بل ربما لم تحاول الحكومات في هذه الدول (حتى وقتنا الحاضر) تفعيل وتطبيق مفهوم المواطنة على أرض الواقع كأساس وركيزة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، حيث بقي مفهوم المواطنة مقبورا في دساتير هذه الدول التي (في أحيان كثيرة) لا تحترم دساتيرها.

من المستحيل ان يخلو بلد عربي او إسلامي من شكوى الأقليات الدينية والقومية من هضم الحقوق والتمييز على أساس الهوية أو الدين أو المذهب، وفي بعض هذه الدول ما زالت تعتبر بعض القوميات دونية ومنبوذة، لا يسمع لأفرادها بالزواج من القوميات الأخرى أو الاختلاط بها، ولا يمارسون إلا الأعمال الدونية، وتطبق عليهم أعراف وأحكام لا يقرها القانون. لهذا تعاني كثير من الدول العربية والإسلامية من ضعف الولاء للوطن واعمال العنف والحروب الأهلية ومخاطر التقسيم الى دويلات عدة.

الولاء للوطن لا يمكن شراؤه بالمال أو المناصب الوظيفية، بل هو شعور ينبع من أعماق المواطن، عقله وقلبه، ويتجذر ويقوى حين يشعر المواطن أنه جزء من هذا الوطن، يتساوى في الحقوق والواجبات مع الأجزاء والمكونات الأخرى.

أتساءل: متى تقبل أنظمة الحكم في الدول العربية والإسلامية بحقيقة مكونات شعوبها والتعامل معها بحكمة وواقعية، ليكون مبدأ المواطنة هو الركيزة والأساس في العلاقة بين طرفي المعادلة (الشعوب والحكومات)، وتسود مبادئ العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتكافؤ الفرص، ويصبح المواطن أداة وحدة وبناء بدلا من أن يكون معول هدم وأداة فرقة، ويسود الأمن والسلام بدل الخوف والفوضى في البلدان العربية والإسلامية.

أقوال بعض الحكماء في حب الوطن:
• عندما يكون الوطن في خطر فكل أبنائه جنود. "لاكوردير"
• جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه، ولكن الأجمل أن يحيى من أجل هذا الوطن. "توماس كارليل"
• الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات وتسقى بالعرق والدم. "ونستون تشرشل"
• خير للمرء أن يموت في سبيل فكرته من أن يعمر طول الدهر خائنا لوطنه جبانا عن نصرته. "جوجيو مازيني"
• حيث تكون الحرية يكون الوطن. "بنجامين فرانكلين"
• ليس ثمة مكان أغلى من الوطن. "هوميروس"
• الخبز في الوطن خير من بسكويت الأجانب. "فولتير"
• الشهادة في سبيل الوطن ليست مصيرا سيئا بل هي خلود في موت رائع. "بيير كورني"
• إذا ضاع الوطن هل ينفع المال. "غازي القصيبي"