منذ ثلاثينيات القرن الماضي والموت الأخرس يجتاح العراق ومكوناته التي أدغمت في كيان واحد من قبل البريطانيين والفرنسيين ومساندة الروس والأتراك دونما أي اعتبار لرأيهم أو أخذ موافقتهم أو اعتراضهم، باستثناء بعض الاتصالات مع الكورد ومنحهم وعود هشة أثبتت السنين كذبها ومراوغة الحاكمين الذين استفردوا بالحكم واستهانوا بالعدالة في كل حقبهم منذ التأسيس وحتى اليوم، حيث دشنوا أولى مجازرهم في آب 1933، التي راح ضحيتها الآلاف من الآشوريين في محافظتي الموصل ودهوك، ثم فرهود اليهود في مطلع الأربعينات من القرن الماضي، وما تلاه من تصفيات جماعية للمعارضين الشيوعيين والكورد والعشرات من المذابح والمجازر ومحارق الموت الكيماوي ما بين الأنفال وآخر صفحاتها الداعشية المأساوية في سنجار وسبايكر ورائحة الموت في الخسفة وآلاف المغيبين في زمن الطائفية، تاريخ يختصره صوت الموت الأخرس!

في الأنفال كان عنوان الموت كورديًا اختلط بصمت الدفن الأخرس وأنين السبايا وصراخات الأطفال وصوت البلدوزرات وهي تدفن الضحايا أحياءً لتبعثر صراخاتهم وآهاتهم!
في الخسفة صدى الموت ورائحة الحياة المتعفنة، تدل على الزمن الصفر!
في سبايكر كان صوت الرشاش والمسدس يطغى على الدين وحشرجات الموت واحتقان الموج المخنوق بنافورة الدم الراقص على صيحات الله أكبر!
في الرابعة من تراجيديا الموت الأخرس، ينقطع الصوت كاملاً ويبدأ زمن الموت الأصم والأبكم للمغيبين والمعذبين من ضحايا ثقافة الحقد المقدس والانتقام الأسود!

في الأربعة الدفينة والقادم من خامسها أو سادسها، يرقص ذات المجرم على حبال الموت مستعرضا قوافل الشهود في أمواج النهر النازفة وريح الصحراء الخرساء وأنين السبايا المكتوم وصدى الخسفة المتعفن وحقد التاريخ الأسود وثقافة الانتقام البدائية، حيث تنبأ الأحداث والتحضيرات وما تقوم به الميليشيات من نشر أفكار فاشية تلغي الآخر بالمطلق، وتختزل بلاد الرافدين ومكوناته وأديانه ومذاهبه في أمة مقدسة واحدة، معتبِرةً نهجها وميليشياتها تمثل كل العراق وتصهر كل مكوناته في بوتقة أفكارها وفلسفتها على طريقة (إذا قال صدام قال العراق) ومن يعارض ذلك يستحق الموت الزؤام.
أنها حقاً نذير شؤم هذه المظاهر الخارجة عن نسق الحضارة والدولة وافتراضيتها الديمقراطية، وولادة ذات الأفكار التي اختزلت العراق منذ نصف قرن تقريباً بحزب واحد وأمة واحدة وقائد واحد فدفنتهم جميعا في بحر الدمار والفقر والانهيار، مظاهر تُنذر بحروب كارثية وظهور بوادر لبلورة دكتاتورية جديدة أكثر مأساوية وطغياناً من سابقتها!

[email protected]