في خطابه الأخير أمام المجلس الثورى، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوضوح أن الدولة الفلسطينية هي القناة الشرعية التي عبرها ستتم عملية إعمار غزه، وأعاد التأكيد على خيار المقاومة الشعبية، وان لا تنازل عن القدس... مرتكزات ومحددات ثلاث تحدد مسار العمل السياسى الفلسطيني. هنا بعض من الملاحظات الضروية التي تحتاج بعضا من التوضيح: أولا، في ما يتعلق بمقاربة وخيار الدولة، لا خلاف على أهمية هذه المقاربه والإستراتيجية والكل ينادى ويتمسك بها، لكن الدولة الفلسطينية ليست مجرد إعلان وشعار، بل هي ترجمة فعليه وواقعيه على الأرض. فالدولة الفلسطينية غير قائمه كدوله سياديه بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وعدم إكتمال سلطاتها السياديه... فهى حتى على أراضى الضفة الغربية غير قائمه بل لا تمارس إلا على أقل من عشره في المئه من مساحة الضفة الغربيه.

ثانيا، هذا الخيار يحتاج الإعلان الرسمي والصريح بإعلان مرحلة الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال، وهو ما يعنى مرحلة جديده في العلاقة مع إسرائيل سواء من منظور المقاومة وماهيتها، وهنا حددها الرئيس بالمقاومة الشعبية، وهناك إتفاق عام على المقاومة الشعبية، ففي تصريحات يحيى السنوار، رئيس حماس في غزه، إشارة للمقاومة الشعبيه بعد الحرب الأخيرة، لأن المقاومه حالة مستمره، لكن ينبغي أن تتوافق مع مرحلة الدولة. فالدولة الفلسطينية لا تملك الجيش والسلاح كى تتدخل في حرب تحرير شامله مع إسرائيل تنهى بها الاحتلال وتعلن قيام الدولة، والمقاومة الشعبية السلمية هي أداة الدولة.

الأمر الآخر هو أن إعلان الدولة يعنى الإعلان الصريح لإلغاء إتفاقات أوسلو والبدء في مرحلة تفاوض جديده بناء على الدولة او مفاوضات دوله مقابل دوله، وكل دوله لها عاصمتها وسيادتها والقدس هي عاصمة هذه الدولة.

تفترض مرحلة إعلان الدولة أيضا إنهاء كل مؤسسات السلطة الفلسطينية والتى هي نتاج إتفاق أوسلو، وهذا يستوجب إجراء انتخابات سياسيه جديده اى انتخابات دوله تفرز مؤسسات سياسيه جديده وسلطه جديده سلطة دولة بسلطاتها الثلاث المتعارف عليها الرئاسة والحكومة والسلطة التشريعية.

هذه الانتخابات هي الآليه الوحيده التي من خلالها يتم التأسيس لسلطة الدولة، وهذا يعنى مشاركة كل القوى والفصائل ومؤسسات المجتمع في المشاركة في الانتخابات والتي من خلالها سيكون لها تمثيل حسب قوتها الإنتخابيه. لكن في النهاية ستكون لدينا حكومة منتخبه ممثله للكل، وهذه الحكومة ستكون لديها الصلاحيات والسلطات التي عبرها تتم عملية إعمار غزه، وفق رؤية وطنيه شامله، ليس للإعمار فقط بل لإنهاء الاحتلال، وصولا لمرحة الدولة الكاملة العضوية والتى تمارس صلاحياتها السياديه على أرضها.

هذا الإعلان عن الدولة وقيام مؤسسات الدولة هو الآليه والقناة التي عبرها تتم القرارات السياسية الوطنية، والتي ستكون في الوقت ذاته إعلانا لنهاية الإنقسام، والبدء في بناء مؤسسات الدولة الموحده، وبموجبها تصبح غزه أحد مكونات الدولة شأنها شأن أي محافظه كجنين والخليل وغيرها ويسرى عليها القرار السياسى الفلسطيني الموحد والملزم.

النقطة المهمة هي أن قرار الحرب والسلم يكون من صلاحيات الحكومة او السلطة الفلسطينية المنتخبة والتي لها صفة الشرعية، وهذا يقتضى تبعية قرار المقاومة المسلحة للقرار السياسى الفلسطيني، فمن غير المقبول أن نرى عودة لخيار الحرب وإتخاذ القرارات بعيدا عن قرار السلطة الشرعية، حتى لا ندور في دائرة مفرغه. فالتحرير مسؤوليه وطنيه شامله.. خيارات ومقاربات المقاومة وماهيتها أيضا تحددها هذه السلطة، وهذه الرؤية الوطنية والإطار السياسى للقرار السياسيى هي ما نحتاجه اليوم.

فلو نظرنا إلى الحروب الأربعة التي شهدتها غزه، فإن سببها حالة الإنقسام السياسي والتفرد في القرار ـ والحسابات الفصائليه، وهذه حالة لم تعد مقبوله بل قد تكون متناقضه مع مرحلة إعلان الدولة الفلسطينية.

قد يتسائل البعض ما مصير المقاومة المسلحة؟ القوة المسلحة للمقاومه تبقى قائمه طالما الاحتلال مستمر، لكن ينبغي أن تخضع للقرار السياسى الموحد والملزم للجميع. وهذا يمكن تحقيقه من خلال إنشاء لجان تنسيق مشتركه ووضع التصورات لمستقبل المقاومة المسلحة. فقيام الدولة يعنى أن السلاح الشرعى الوحيد الملزم هو سلاح السلطة، وهذا لا يعنى إلغاء سلاح المقاومه في المرحلة الإنتقاليه.

في سياق هذا التصور، يمكن القبول بآلية الدولة الشرعية التي عبرها تتم عملية الإعمار، وحيث أن هذه المقاربه تحكمها محددات كثيره قد يصعب تحقيقها في المنظور القريب، وحيث أن الإعمار أولوية وطنيه ملحة فالأمر يحتاج للبحث عن آلية للإعمار في إطار الرؤية الوطنية الواحده وليس في إطار الفصائليه.