حين يكون عبورك ثقيلاً وآثاره رماداً، حين تكون أرضك جدباء، وفصول روحك ما بين خريف وشتاء، وحين يكون حضورك ثقلاً وغيابك فرحاً، وحديثك تافهاً ومزعجاً، حين تصل إلى مرحلة تتصنع بها الود وتتملق من أجل أن تجد لك مقعداً في أي مجلس تدخله، عندما يكون اطراؤك زائفاً وضحكتك مصطنعة، وتركض في كل جانب تقع عليه الأضواء لينظر إليك، من السخف أن ترمي بكل ذلك على غيرك، لأنك تعجز أن تنال شيئاً من بريقه، تعلم بأنك لم تجتهد لتكون سماءاً أو نجماً، وأن وجودك في هذه الحياة لا يشكل أي دفء لأحد، فأحضانك كأم باردة.. حتى أن صغارك يركضون في اتجاه أي ذراع يفتح إليهم، والدتك لا تحسن ذكرك.
إن تلك الطفلة التي تنادين عليها أمام الجميع لتقبلك، لم تكوني لتنتظري قبلتها لو لم يكن هناك من ينظر إليها كنعمة وهو يتساءل إن كنت تستحقينها؟ لم تكوني لتنادي على ابنك لو لم تريه يتعلق بحبل واحدة أخرى لا تشبهك في روحها وصبرها ويقظتها ولينها، لم تكوني هنا في قلوبهم لولا الفطرة، فالأطفال يولدون وهم يحبون أمهاتهم ومن قبل أن تمتلئ ذاكرتهم بالصور والأحداث معها.
أيتها ه الإنسانة التي لم يكتمل نضجها.. حب الأبوين أيتها الصغيرة يكون في.. دعاء يصل السماء كرسالة صادقة يبعثها كل من يراك، وحب الأب في بياض جبينه الذي ينعكس نوره على جبينك، وحب الأم في لون الزهر الذي ينمو ويتفتح في مراحل عمرك بألوانه الزاهية، أثر الأم يكون عليك في طمأنينتك وسلوكك وأثر الأب يكون عليك في أمانك وشخصيتك، والأطفال الذين أنجبتهم من رحمٍ دون روح لو أنهم لامسوا روحك حقاً لأناروها وأدخلت مرحلة من الصفاء خشية أن تثقيلهم بسواد يعكر عليهم صفو سنواتهم القادمة، ويؤثر على سلام قلوبهم النقية، لكنك كنت أصغر بكثير من طفلك الذي يفرش قلبه للمارة، وأصغر من ابنتك الصغيرة التي بدأت تتفتح دون يكون لها قدوة تفرش أمامها السجادة للصلاة والدعاء وتفتح أحضانها لتهنئ بما في قلب أمها من حنان، أم تكون لها ولأخيها غيمة حب وظل دافئ ونهر جاري من العطاء، لا تورثهم إلا المحبة ولا تذكر أمامهم إلا وعطر سيرتها يملئ القلب والذاكرة.
لكنك لم تفعلي ذلك كنت أفقر وأعجز وأكثر ضعفاً وأنانية لأن تقبلين بأن يحظى صغارك مما جردت منه من حب واهتمام واحترام لم تجدينه حتى عندما كبر سنك، الأنانية التي جعلتك تحرمين الحب على ابناءك من أناس لم تحظي بقبولهم لكنهم يحملون للملائكة الصغار كل ما فيهم من حب، اضطررت لتجريدهم من صفاتهم الحقيقة وصبغهم بما تكرهينه في نفسك.
لكن النظر في عين الصغار يجعل كل عاقل ينظر إليك يصبر .. ويتمهل ويعذر رفقاً بطفولتهم من أن تمس بسوء أو أذى متعمد، تلك الزهرة الصغيرة التي لم تتفتح بعد ستختار، إما أن تصطبغ بلونك الأسود أو تحيا بلونها الذي خلقت به، وذلك الطفل أما أن يحيا حراً أو يقبل على نفسه أن يكون سجين أوهام والدته وكل زيفها وما جاءت به من تحريف.
هل سوف يرمون الناس بما تكرهينه بهم، أم سوف يكون أحدهم سماء وآخرهم نجماً لامعاً؟