كان من المتوقع فعلا ان تقل اصوات لمرشحين بارزين في هذه الدورة التي انتهت مدتها والدورات السابقة من مجلس النواب إلى مستوى متدنٍ، لكن الملفت للنظر حد الاندهاش انه لم يكن في توقعات كثير منهم ان تقل اصواتهم الى هكذا مستوى منخفض، الامر الذي ادى الى ابعادهم عن المنافسة ليخرجوا صفر اليدين، بل إن بعضهم لم يرجع ولو بخفي حنين كما يقول المثل.

لكن في الوقت نفسه تنبأ كثيرون ممن يراقبون المشهد السياسي العراقي ببروز اصوات جدد خاصة بعد الاحتجاجات التي شهدتها الساحة العراقية في العامين الماضيين وبالاخص بعد تظاهرات تشرين العراقية عام 2019 في بغداد وبقية محافظات جنوب العراق احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية للبلد وانتشار الفساد الإداري والبطالة، التي هزت الكيان السياسي العراقي من صميمه وادت الى استقالة رئيس الوزراء السابق السيد عادل عبدالمهدي وتشكيل حكومة مؤقتة برئاسة السيد مصطفى الكاظمي ليواجه الأخير جملة من المشاكل والأزمات في دولة لا يحسد عليها.

الان انتهت الانتخابات ليفوز من فاز وليخسر من خسر، ويبقى السؤال الأهم وهو، ماذا سوف يحدث بعد الانتخابات؟ هل يستقر الوضع السياسي في العراق بعد ان عانى كثيرا من المشاكل والتأزم خلال العقدين الماضيين تقريبا؟ وما الذي سيؤول اليه الوضع الاقتصادي الرديء للدولة وهو مكبل بقروض وعجز مالي يصل الى اكثر من 40 مليار دولار؟ من جهة اخرى كيف ستكون العلاقة مع اقليم كوردستان؟ إذ تشهد هذه العلاقة بين الفينة والاخرى ازمات ما ان تخمد نارها في مكان حتى تظهر شرارتها مرة اخرى في مكان اخر؟ وكيف سيكون مستقبل العلاقات الدولية والاقليمية للعراق وبوجه خاص مع دول الجوار؟

اسئلة كثيرة بحاجة الى اجوبة تسترضي الفرد العراقي المنهمك بدوامة الحياة من جهة، وتشفي غليل الشعب برمته من جهة اخرى ان كانت هذه الاجوبة مقنعة ومرضية للجميع.

الحكومة المرتقبة امام امتحان صعب للغاية، فأولا يجب أن تصب جل اهتمامها بالشارع العراقي، فالاستياء الشعبي المتواصل الذي انتهى بمقاطعة الانتخابات من جهة والانتقام من وجوه عاثت في العراق فسادا – في نظرهم - من جهة أخرى لا يزال الهاجس الاكبر لهرم السلطة المرتقبة في الحكومة العراقية المقبلة، فعدم إصلاح الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد ربما يرجع بالعراق إلى المربع الأول لتسيير بالوضع من سيء الى أسوأ، ولتقود البلاد الى موجات جديدة من المشاكل والعنف لا تحمد عقباه.

اقليم كوردستان العراق الممثل باكثر من 60 مقعدا في الدورة النيابية الجديدة وبالتحالف مع كيانات أخرى سيكون له القول الفصل – ان توحدت أصواته - في كثير من القضايا والملفات العالقة بينه وبين الحكومة الاتحادية، ولعل من اهمها النفط والموازنة والاستحقاقات المالية للاقليم وانتشار قوات البيشمركة في المناطق المتنازع عليها وتعديل الدستور والمادة 140 والمشاكل التي ما زالت عالقة في تلك المناطق اذ بقيت تمثل حجر عثرة في طريق تقوية وتطوير العلاقات بين الاقليم والحكومة الاتحادية في السنوات الماضية.

بدورهما ناشد رئيس إقليم كوردستان السيد نيجيرفان بارزاني ورئيس حكومة الإقليم السيد مسرور بارزاني الجميع على العمل من أجل عراق مستقر تكون فيه الحقوق الدستورية لكل المكونات مضمونة ومحمية، يجتمع فيه الكل على الثقة، والتكاتف والتعاون المشترك والمصلحة العامة، والشراكة الحقيقية، والتوافق والمساواة.

اذ يجب ان يدخل الطرفان في حوار جدي وبناء لإنهاء الخلافات الدائرة بينهما، فنافذة الخروج من حالة الركود السياسي بين الطرفين والتي تعد السبب الرئيس لتعطيل انهاء المشاكل العالقة يجب ان تفتح وتشرع بثقة متبادلة دون التفكير في غلقها، بعكسه سوف تؤدي إلى ازدياد وتراكم المشاكل العالقة غير المنحلة وتضخم حجم الازمة المستمرة بين الطرفين مما سيشكل سببا رئيسا لعدم الاستقرار السياسي والتنموي في العراق ككل.

اما من ناحية مستقبل العلاقات مع دول الجوار، فهناك ملفات كثيرة يجب اعادة قراءتها وصياغتها من جديد وخاصة مع الجارة تركيا وايران من جهة ودول الخليج من جهة اخرى، الذين لهم الدور الكبير والمؤثر في استقرار العراق السياسي والاقتصادي والتنموي.

الجميع يترقب رئيس الجمهورية لتكليف الكتلة النيابية الأكثر عددا من المقاعد لتشكيل الحكومة الجديدة، حكومة – كما قال السيد رئيس الإقليم في رسالته - وطنية اتحادية تكون انعكاساً لمطالب وتطلعات المواطن، تطبق الدستور، وتعزز مؤسسات الدولة، وتسيطر على الفصائل والقوات المسلحة التي هي خارج سياق القانون، وتصحح العملية السياسية على أساس الدستور والشراكة بين كل مكونات العراق، وتدير البلد وتمضي به نحو مستقبل أفضل للجميع.

دكتوراه في ادارة الازمات