تتعدد وتتباين نماذج البناء السياسي من دولة لدولة ومن حالة لحالة، وكل نموذج يعكس الخصائص الذاتية والخاصة ولا يمكن في السياسة أن نرى نموذجان متطابقان، ما يعنينا هنا النموذج العربى الشامل والنموذج الخاص الذى قدمته الإمارات ويعتبر اليوم نموذجا ناجحا، وتقدم الإمارات من خلاله نموذج الدولة الناجحة في البناء السياسي الشامل. وهذا بدليل المؤشرات المتقدمة التي تحتلها الدولة في المؤشرات العالمية في مجالات الرفاه والتسامح والخيرية الإنسانية والإستقرار ومؤشر الحوكمة الرشيدة ونموذج التنمية المستدامة. ومؤشرت الاستقرار والسلم الأهلى. وهذه المؤشرات لم تأتى من فراغ بل هي نتاج رؤية سياسية شاملة وواضحة للمستقبل المستند على أصالة الماضى ووواقع الحاضر ومتطلبات المستقبل. وتفهما لإمكانات القوة المتاحة والممكنة، وفى كيفية توظيف الثروة في بناء دولة شاملة. وهذه هي رؤية المؤسس الأول زايد طيب الله ثراه وهنا تستحضرنى مقولة سمو الشيخ سلطان القاسمى عن هذه الرؤية المؤسسية. بقوله بمناسبة فوز سموه بجائزة زايد في دورتها الرابعة للعام 2009-2010 تقديرا لجهود سموه في تنمية الثقافه العربية. قبل أربعين عاما اى خمسن عاما من اليوم قال وزير الخارجية البريطانية وقتها أن بريطانيا لن تنسحب من المنطقة ثم عاد بعد ستة شهور ليعلن إنسحابه: وكانت صدمة للجميع، وأصبحت الناس كالأغنام في الليلة الماطرة، وافترقت الفئات وتنابذت بالألقاب وتداعت علينا ألأمم. وإذا بنجم يلوح بالأفق من هذه الأرض، كان ذلك زايد بن سلطان آل نهيان، وإذا بالرجل يسرع الخطى ويجترح المسافات، يؤمن الخاف، ويعلم الجاهل، ويكون أمه، إنه هو الأمة. هذا هو العنصر الأول أو ألأساس في نموذج دولة الإمارات، نموذج القياده الرشيده صاحبة الرؤية الشمولية، والشيخ زايد طيب الله ثراه يشكل بفكره ورؤيته المكون الأساس في رؤية هذه القيادة. فعلى مختلف النماذج العالمية نجد أن القيادة اول مكون ناجح لأى نموذج سياسى. وما يميز القيادة في الإمارات الروح الجماعية على مستوى الدولة، فالمجلس الأعلى للحكام وهو البنية الرئيسة لصنع القرار تعمل في إطار الكل الواحد, والسمة الأخرى الإنفتاح على مواطنيها، وهذا شرط رئيس العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبناء نموذج للحكم يجسد بيئة النظام بكل متغيراته ومعطياته السريعة التحول، وهذا ما نلحظه من تواصل مباشر ومن تمكين سياسى شامل للمواطن في الدولة للمساهمة في صنع القرار والسياسة العامة وتولى أعلى المناصب، وما كان هذا أن يتحقق بدون الإستثمار في هذا الإنسان وهو الذى قال عنه الشيخ زايد أغلى إستثمار. ودور القيادة في العمل على توفير البيئة السياسية التي تسمح بالمشاركة والإبداع والإنتاج او يقابله النموذج التنموى المستدام ببناء بيئة تعليمية وصحية وبنية تحتية شاملة, وهذا هو العنصر الثانى للنموذج، والعنصر الثالث المواطن المنتمى لوطنه والفاعل والإيجابى. هذه العناصر، القيادة والبيئة والمواطن تشكل المحددات الداخلية، ولا تكتمل عملية البناء والنموذج إلا بتوافر منظومة من القيم والثقافة السياسية، والتي توفر الحماية والمظلة لنجاح النموذج. هذه المنظومة لا تلغى الماضى وتراثه وأصالته بل تضيف عليه مواكبة منظومة القيم الإنسانية والإنفتاح على الحضارات والنماذج الأخرى بالتواصل والتفاعل الإيجابى، ولعل من اهم هذه الصور وثيقة الأخوة الإنسانية المشتركة التي جمعت بين شيخ الأزهر الشريف وبابا الفاتيكان، والبناء الإبراهيمى ورؤية السلام التي تتبناها الدولة، وبالدور الإنسانى الذى تقدمه الدولة وبما تقدمه من مساعدات إنسانية في كل دول العالم دونما تمييز. وهذا العنصر الرابع في النموذج الإمارتى، وهو بحق بات مقرونا بإسمها كالنموذج الأمريكى او الأوروبى او الصينى أو اى نموذج آخر. فعند الحديث عن دولة الإمارات يقفز أولا هذا النموذج بكل مؤشراته وتكويناته ليتحول نموذجا لكل دول العالم وخصوصا دولنا. العنصر الأخر المهم في بناء هذا النموذج الرؤية المستقبلية لدور الدولة ومكانتها ومواكبتها للتطورات التكنولوجية فهى تسابق الزمن القائم لتعيش وتتواصل مع الثورة المستقبلية المتسارعة لتجد نفسها في قلبها، كما نجد من صور ثورة الذكاء الإصطناعى وثورة المعلومات وثورة الفضاء. ولعل معرض اكسبو يلخص هذا النموذج الإماراتى الذى جمع العالم كله في إمارة دبى وليترجم الكونية العالمية، وهذا المعرض يعكس رؤية وفكر قيادة رشيدة جسدها سمو الشيخ محمد بن راشد. وإعتراف من العالم بنجاح هذا النموذج وعلامات النجاح تعلن عنها المؤشرات العالمية التي تضع الدولة دائما في مقدمة الدول في العالم. وفى السياق ذاته نجاح الدولة في إحتواء وباء الكورونا والعودة للحياة الطبيعية وهو إنجاز عجزت عن تحقيقه الدول الكبرى. ولعل من اهم عناصر نجاح هذا النموذج عنصر التوالد الذاتي للبناء الذى تحول لعملية تراكمية متجددة بفعل التفاعل بين القيادة وشعبها.