منذ إنطلاق حراك تشرين الذي تمر في هذه الأيام الذكرى الثانية لولادته وتحوله الى ثورة شبابية، تنَوّعت الطرق والأساليب التي يحاول البعض من خلالها خلط أوراق شباب الحراك الذي خرج ساعياً لإصلاح واقعه وواقع بلاده، عِبر إدعائهم أن الكثير من ثُوّار تشرين هُم مِن أتباع أو أنصار الحشد. الهدف هو أولاً للتعتيم على ماضيهم وماضي أحزابهم ومليشياتهم وحواضنها المجتمعية. وثانياً لتبييض صفحة الحشد الهجين والتغطية على عمالته لإيران، ودوره كرأس حربة لمشروعها التوسعي في المنطقة، الذي يسعى لإبتلاع العراق. وثالثاً لتبييض أيادي مرتزقة مليشياته من أبنائهم، الملطخة بدماء العراقيين، والمرتبطة بجريمة إبادة طائفية ضد بعض مكوناتهم. ورابعاً لدفع الناس الى نسيان جرائمهم وسرقاتهم التي لطّخت ملابسهم بالدماء والفساد عِبر إلباسهم رداء الثُوّار. وأخيراً وليس آخراً، كي يُبَرّروا لأنفسهم بأنهم كانوا على حق بدعمهم للحشد، ولا يعترفوا بينهم وبين أنفسهم على الأقل أنهم كانوا مخطئين، لأن الإعتراف بالخطأ مِن مُحرمات الشخصية العراقية، التي تُفَضِّل أن تكذب على نفسها وعلى الآخرين، وأن تعيش الوَهم بل وأن تُسَوِّقه بدلاً من الإعتراف بالحقيقة ومواجهة الواقع.

فالحقيقة هي إن أغلب ثُوّار تشرين هم مِمّن لم يبيعوا أنفسهم الى مُرشد إيران، ولم يتحولوا الى مرتزقة في مليشياته، ولم تنطلي عليهم بُدعة الجهاد الكفائي، ولم يرضوا أن يكونوا بندقية ايران ضد أبناء بلدهم بحجة محاربة داعش، لذا إضطروا للعمل كسائقي تكتك أو عَمّالة بيومية ﻻ تسِد رمقهم ورمق عوائلهم. إن أغلب ثوار تشرين هم شباب بسطاء أو مثقفين أو خريجين، إنتظَروا وصَبروا طويلاً على عدة حكومات تعاقبتت على حكم بلدهم بإسم الإسلام وبحجة تمثيلهم مذهبياً، لكنهم لم يروا منها سوى الإجرام والفساد وإنهيار الخدمات وتسليم البلاد الى جارتهم ايران. لذا حينما فاض بهم الحال ورأوا أن حاضرهم بات بيد ملشيات مرتزقة من أبناء جلدتهم ستُضَيّع مستقبله ومستقبلهم، خرجوا ثائرين على هذا الواقع المَمسوخ ورموزه المُشَوّهة. إلا أن هذا لا ينفي وجود نسبة من أنصار الحشد وربما مقاتليه بين صفوف ثوار تشرين، لأن عدم تبلور مشروع وقيادة واضحة له جعلت منه لملوم لمن هَب ودَب، بات صعباً الفرز بين صالحه وطالحه، وبعض النماذج المشوهة التي تخرج علينا بين الحين والآخر، مدعية بأنها من ثوار تشرين، دليل على ذلك.

لكن عموماً ثُوّار تشرين هُم ليسوا ثوار الحشد. ثُوّار الحشد هُم ثُوّار من نوع آخر، غير الذي يتخيله البعض عند سماعه كلمة ثُوّار للوهلة الأولى، هُم ثُوّار على غرار كبيرهم الخميني الذي عَلّمَهُم السِحر والعَمالة، وعلى غرار ثورته الظلامية التي أعادتهم الى العصور الحجرية، وجعلتهم قطعان تُساق فتدُب، فهُم ثُوّار على فكرة الوطن وعلى المدنية والنظام والعقلانية، وهُم مرتزقة للفساد والجريمة والفوضى والطائفية. أما ثُوّار تشرين فهم حشد من الثُوّار الذين خرجوا لأجل الوطن ولنصرة العقلانية والدولة المدنية، ومتى ما باتت كفة حشد الثُوّار أثقل من كفة ثُوّار الحشد ومرتزقته، فحينها فقط بإمكاننا أن نقول أن هنالك ضوء في نهاية نفق العراق المظلم. لكن الى اليوم لا تزال كفة الميزان مائلة لصالح ثُوّار الحشد ومرتزقته، ولن تُعدلها سوى معجزة بعيدة المنال، لأن المنضدة التي يقف عليها الميزان هي أصلاً عَوجاء، والأيادي التي تَزِن به غشّاشة ونفوسها فاسدة، وكل أجزاءه عاطلة وصَدِأة، والمقصود بذلك أن كل ما يتعلق بالوضع العراقي من نُخَب سياسية وثقافية ومجتمعية هي شريكة في الخراب، وتميل الى ثُوّار الحشد أكثر من ميلها الى حشد الثُوّار.

رُبما مَر توصيف إن ثُوّار تشرين هُم مِن أتباع أو أنصار الحشد في أول أيام الحراك على الكثير من السُذّج، لكن بريقه الكاذب تلاشى سريعاً بعد أن كشَف ثُوّار الحشد عن معدنهم الصَدِأ ووجوههم الكالحة، وبدأوا بتصفية ثُوّار حراك تشرين وإغتيالهم وفق خطة منظمة وضعها قادة حشدهم بأمر أسيادهم في قم، الذين عرفواجيداً بإن إستمرار هذا الحراك ونجاحه في تحقيق أهدافه يعني نهاية مشروعهم وفشلهم في تحقيق أهدافهم، وهذا ما لم يكونوا ليسمَحوا به ولو على بحر من دماء الشباب العراقي، وقد قاموا بذلك فعلاً عبر مرتزقتهم من الحشد وسط صمت وتواطؤ الكثير من أهالي شباب الحراك، مما أدى في النهاية الى تلاشيه شيئاً فشيئاً. واليوم يكشف ثوار الحشد عن حقيقتهم البشعة ومستوياتهم الضحلة للمرة الثانية، من خلال تصرفاتهم وممارساتهم الغوغائية النابعة من خلفياتهم الفكرية والمجتمعية، بعد أن تأكدت خسارتهم ككتلة داخل البرلمان في الإنتخابات الأخيرة مقارنة بالدورة الماضية، فثارت ثائرتهم، وخرجوا الى الشوارع بشكل هستيري طاعنين بالنتائج حتى بعد إعادة فرزها مؤكدة خسارتهم، وبدأت تظاهراتهم تأخذ شكل الخروج عن القانون عبر تهديد الدولة التي يدعون أنهم جزئاً منها، والتلويح بمواجهتها والصدام معها، مؤكدين حقيقتهم كمرتزقة ينفذون أوامر وأجندات من أسّسَهم، ولا علاقة لهم بالدولة العراقية وقانونها ومؤسّساتها الدستورية.

ختاماً لا بد من الإشارة الى أن أغلب مُن يُسَوّقون لكذبة أن الكثير مِن ثُوّار تشرين هُم مِن الحشد أو كانوا في الحشد، هُم غالباً من المثقفين الطائفيين، أمثال ذلك الشاعر الذي يُريد أن يُنسي الناس ويُبَرّر صورته السيلفي التي إلتقطها حينما كان منتشياً بطائفيته مع الحشدوي المدعو أبو عزرائيل في بدايات تشكيل الحشد، وقبل أن يَركب موجة حراك تشرين!

[email protected]