سأكون صريحا اليوم، من باب المحبة، بأن ما يحدث من زوابع تصريحات، وضجيج أخبار وتعليقات بشأن الإعلامي جورج قرداحي، هو أشبه بمسلسل درامي يشبه ما يحدث في برنامجه "المسامح كريم"، حيث اختلاق المشكلات، والعتب المرفوع، والنهائيات السعيدة الملفقة، والانتصار للحق على طريقة الأفلام الهندية والتركية.

فالرجل لا نشكك بقدراته الإعلامية، فهو مخضرم إعلامي بالأخبار والبرامج، مثلما هو مخضرم بتجارة الإعلام والعلاقات العامة، وخاصة مع أصحاب الشأن والقرار وهو ما جعله من "كنوز الإعلام العربي". حيث يجلس مع الشخصيات الكبيرة في الصفوف الأمامية، وتفتح له أبواب المؤتمرات والحفلات. مما ساعدته على تأسيس علاقات متشابكة مع بعض دول الخليج، فعاملوه بكل طيبة حسب تقاليدهم الأصيلة، واحترموه كأعلامي معروف.

وعندما اتحدث عن الخليج، فأنني أتحدث عن الطيبة الصحراوية والريفية المتجذرة في نفوس الخليجيين، وعندما اتحدت عن قرداحي فأنني اتحدث عن رجل استغل هذه الطيبة لتحقيق مصالحه الشخصية، فأسقط صفة الوفاء عنه كانسان، والمهنية من رسالته.

فالرجل يظهر دائما انه صاحب مبدأ، وهذه المبدئية القرداحية التي يعتنقها أثارت زوابع متتالية لإرضاء الآخرين، وهم أصحاب القوة والنفوذ في لبنان. مرة يثير زوبعة الدفاع عن رؤساء وشخصيات تسير ضد حركة التاريخ، ومرة أخرى يذهب إلى اليمن ليقف مع الحوثي الخارج عن السلطة الشرعية، ويصف الحرب عليهم بالعبثية. وهو ما جعلنا نكتشف عدم وفاءه لمن جعلوه ثريا ببضع برامج ليست من إبداعاته وإنما هي مقتبسة عالميا، وأن يكون حديث الأخبار والدول والوكالات.

سأرتب المقالة حسب التصنيفات الإنسانية، فالإعلامي له رسالته الإنسانية قبل كل شيء، وهو يرتبط أساسا برسالة محددّة لا تخرج عن المألوف؛ منحاز للناس، ويمتلك وعيا بالبيئة وقضايا الوطن، وصاحب موقف أخلاقي. وبمترادفات الحرفة وأصولها فأن قرداحي خرج من قانون الحرفة ورسالتها، عندما انحاز للباطل ضد الحق، ذلك عندما جعل الحوثيين المدعومين من إيران أصحاب قضية، وجعل التحالف العربي أصحاب باطل لأنهم يمارسون "حربا عبثيةكما يعتقد. وهو بهذا الموقف يساند ميليشيات اختطفت اليمن وشرعيتها السياسية، ودمرت الأرض والعباد بطريقة همجية فيها عطر تاريخ الموت والإرهاب.

سأكون أكثر وضوحا، الإعلامي عندما يفقد مهارته الإنسانية، فأنه سيفقد كذلك مهاراته الإعلامية وشعبيته. وهو توصيف ينطبق على صاحب برنامج "المسامح كريم" الذي لم يكن موفقا في مواقفه السياسية والإعلامية، ولا دبلوماسيا في أحاديثه ومؤتمراته، بل كان انتهازيا لتحقيق مكاسب شخصية، تحققت باستيزاره وزارة الإعلام، وتنفيذ مخططات أبعاد لبنان عن أشقاءه العرب، والإساءة إلى دول تحالف دعم الشرعية في اليمن.

قرداحي الوزير والإعلامي، تورط في كلام غير موضوعي، وخارج المنطق في برنامج "برلمان الشعب" في قناة الجزيرة، عندما قال بثقة بإن"الحوثيين في اليمن يدافعون عن أنفسهم أمام عدوان خارجي، وهم لا يعتدون على أحد"، ومضيفا أيضا مع سبق الإصرار "هناك اعتداء بالتأكيد من السعودية والإمارات، وان الحرب في اليمن حرب عبثية يجب أن تتوقف“. ومع ذلك يصر من خلال تغريداته وتصريحاته المتناقضة بانه لم يقصد "الإساءة للمملكة العربية السعودية أو الإمارات" من باب "رجل هنا ورجل هناك". لكنه بالمقابل يصر على عدم الاعتذار لأنه لم ينتقد الدول التي عاش فيها، ولم يقدم "استقالته لأنه حريص على مصلحة لبنان واستقلاليته"!؟

وفي الجمع والطرح، فأن مصلحة لبنان بعد هذه الأزمة الحالية، وما قبلها لن تكون على أحسن حال، بل هي محاولة لأبعاد لبنان عن بيئته العربية، ومصدر دعمه. أما استقلال لبنان، فهي من المضحكات المبكيات في تصريحات وزير الإعلام، لأن لبنان كدولة مختطفة من حزب الله وإيران، وهي الدولة التي تعيش اليوم في أتعس حالاتها السياسية والاقتصادية كما يعرف الجميع.

أما القضية الثانية، فهي عتاب محبة لدول الخليج، وبالذات مؤسساتها الإعلامية، فقد كانت الطيبة الريفية والعطاء الأخوي، يغلب التعامل مع هذا الإعلامي، فقد تم تدليله بعطر صحراء الخليج، وكرم الضيافة البدوية الجميلة، فأشبع بالمال والهدايا والهبات والاحترام، وربح الملايين بعد العسر.

من قال إن قرداحي هو عنترة البرامج التلفزيونية القادر على حمل سيف الإعلام، وتطويع الجمهور له. فهناك العشرات من القدرات الخليجية الشابة والمخضرمة القادرة على العطاء والإبداع والحضور. أم إن مطربة الحي لا تطرب دائما في أوطاننا المبتلية بناكري النعمة والمحبة.

نعم... نعتب على مؤسسات الإعلام الخليجية، وبالذات مؤسسات الإعلام السعودية، التي صنعت من هذا الإعلامي نموذجا للاقتداء، وهو الذي كان بينهم ناطقا رسميا للقوى التي كانت معادية للخليج والعرب. اليس هو نفسه بلحمه ودمه الذي أوقفته بعض القنوات التلفزيونية السعودية الخاصة عن العمل لتصريحاته السياسية عام 2017، ووقوفه ضد سياسة الخليج، ثم سامحوه وأكرموه مرة أخرى وهو لم يكن كريما معهم، بل كان الشحيح والمهين.

وقلقنا اليوم أن يدخل الرجل من النافذة مرة أخرى، ونسمع منه يوما يقول لأهل الكرم والطيبة "المسامح كريم" فنسامحه بالطيبة، وننسى لدغة العقرب؛ يا عقرب الأذى كم لدغت؟

سأختصر الفكرة بالحكمة؛ السوي إذا أكرمته يعرف المعروف ويقدّره، والمريض النفسي يتمرد، فإذا "أكرمت الكريم ملكته وان أكرمت اللئيم تمردا". وما أكثر من باعوا الدول التي عاشوا فيها بالرفاه والاحترام والمودة، وأنكروا عطاياها ونعمتها عليهم بالقول والخيانة، فأسقطوا صفة الوفاء من قاموسهم الحياتي. وما أقسى أن يكون الأنسان عديم الوفاء وناكر المعروف، وهي لعمري من أرذل الصفات وأقبحها على الأطلاق!