رغم الاجتماعات الاستثنائية العاجلة، في شهر اكتوبر تحديدا، لتدبير الأزمة بحضور وزراء الطاقة، فلا تزال الاستجابة الأوروبية المنسجمة والمنسقة، لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية، تبدو بعيدة المنال بل جاءت هذه الاجتماعات مرة أخرى لتؤكد، ان هناك انقسامات حادة في الآراء، خلال كل قمة أوروبية منعقدة لرؤساء الدول والحكومات. فلقد ظل، على المدى الطويل تمرين الحفاظ على أسعار الطاقة، في مستويات محدودة، هاجسا تفاوضيا دوليا، متعبا للاتحاد الأوروبي.

فقد برز الخلاف الرئيسي، لما اقترحت دولتان أوروبيتان، بأن الحل العاجل هو التدخل وإصلاح سوق الطاقة، بفرض اجراءات إصلاحية صارمة من الداخل، لكن مجموعة كبيرة من الدول الأعضاء في الاتحاد، بما في ذلك ألمانيا كعضو بارز، تعتقد أن هذه الزيادة في الأسعار موسمية، وأن السوق سينتظم اتوماتيكيا في نهاية المطاف، وتنخفض أرقام الاثمنة المعروضة؛ وسيؤمن السوق الدولي، تلك المطابقة المرجوة بين العرض والطلب، في القادم من السنوات.

كانت الدول الأعضاء في الاتحاد، قد اتفقت كذا مرة، على تقليل اعتمادهم على الغاز، من خلال زيادة القدرات الإنتاجية للطاقات المتجددة. ولكن في هذا أيضًا طرأ خلاف في الآراء، بين من يدافع عن استخدام الطاقة النووية كطاقة نظيفة، ومن يقترح ان يكون مزيج موارد الطاقة في المستقبل متوازنا؛ (أي موارد مستقرة مثل الطاقة النووية، وموارد مستوردة مثل الغاز، علاوة على بعض الطاقات البديلة المتجددة)..

فالخبراء يعلمون جيدا، ان تداعيات أزمة الطاقة العالمية ستولد انعدام الأمن الاقتصادي في القارة العجوز وإن ارتفاع أسعار ما يطلق عليه بالوقود الأحفوري، ستكون له تداعيات على أسعار الاقتصاد ككل، ويمكن أن يبطئ التعافي التدريجي للنمو الاقتصادي الأوروبي، بعد خروجه من محنة وباء كورونا الذي اجتاح العالم.

وللعلم، لا يزال الوقود الأحفوري يمثل ما يقرب من 70٪ من مزيج الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي، مع ان جميع القطاعات معنية بذلك. فلقد تأثر قطاع النقل بشكل خاص، فرنسا نموذجا، كما هو الحال في العديد من الدول الأوروبية، وارتفعت أسعار الوقود في المضخات، بشكل مفاجئ، منذ بداية هذه السنة، ولم يصل إلى هذه الدرجة من الارتفاع منذ عشرين عامًا، حسب ما أكدت البيانات.

بل يجمع الخبراء على ان الوضع في قطاع الكهرباء هو الذي سيشكل الأزمة الأكثر خطورة، ويشكل تحديات كبيرة في مجال تأمين موارد الطاقة للأوروبيين. لأن ارتفاع أسعار الغاز، ستؤدي لا محالة الى ارتفاع أسعار الكهرباء. وبالتالي التأثير سينعكس على أرقام فواتير المستهلك وعلى القدرة التنافسية للشركات العاملة في المجال نفسه. هذا الوضع لن يقتصر على أحوال أوروبا، بل سيغذي المخاوف من مخاطر زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، لا سيما في البلدان النامية.

التوقعات المستقبلية المختلفة، التي أجريت داخل الاتحاد الأوروبي، تصل إلى نفس النتيجة: استحالة مستقبلا ان يكون هناك إكتفاء ذاتي من الطاقة على صعيد القارة.

فالتقارير تعتبر الاقتصاد الأوروبي مستهلكًا كبيرا للطاقة:

يمثل استهلاكه للطاقة 14-15 ٪ من الاستهلاك العالمي، ويستمر في الزيادة بمعدل 1 إلى 2٪ سنويًا. من جهة أخرى، فإن الموارد الأوروبية محدودة للغاية: 2٪ من احتياطيات الغاز (تقدر بـعقدين من الاستهلاك)، احتياطيات النفط منخفضة للغاية (تقدر بـعقد من الاستهلاك).

يعتمد الاقتصاد الأوروبي على الوقود الأحفوري في 4/5 من إجمالي استهلاك الطاقة، والذي يتم استيراد ما يقرب من 2/3 منه. وإمدادات الطاقة في المجتمع بالكاد تغطي نصف الاحتياجات.

ويحذر الخبراء، إذا لم يتم فعل شيء، سيرتفع الاعتماد العالمي إلى ما فوق 50% بحلول عام 2030 (90٪ من النفط)، مع ما سيترتب على ذلك من تراجع يهدد الاقتصاد، ولا سيما بسبب احتمال عدم تأمين العرض من حيث الكمية والسعر؛ و احترازا للتعامل مع احتمال حدوث اضطرابات في الإمداد، يُقترح من ناحية تنظيم المخزونات الاستراتيجية على مستوى كل مجتمع على حدة (النفط والغاز)، ومن ناحية أخرى ترك خيارات موراد الطاقة المختلفة مفتوحة.